لمناسبة حكوميَّة كالتي يخوض الرئيس سعد الحريري غمارها منذ تسعة أشهر، وُصِفَ الرئيس تمام سلام بأيّوب العصر. لكنه ختم هذه المعاناة بتأليف حكومته بعدما لامس الصبر والتأجيل والانتظار حدود السنة.
الرئيس سعد الحريري يجتاز الدرب ذاتها منذ تسعة أشهر، بالتفاصيل و”الحركات” نفسها، مع اضافات تقشعرُّ لها الأبدان لم تكن عناصرها متوافرة بهذه الغزارة في زمن الرئيس سلام.
بديهي القول والتأكيد أن الرئيس الحريري لم يضع العصي والمعوّقات في دواليب سيارة حكومته التي لم يُسمح لها بالتأليف بعد، واعطاء الثقة، للانطلاق الى الورشة العارمة الأشكال والانواع، وخصوصاً على الصعيد الاقتصادي، شمولاً الفساد وأهله.
حتى ليكاد البعض أن يسمّي الأشياء والأسباب وفاعليها بالأسماء الثلاثية، مع إشارة واضحة الى المستفيدين، والدوافع. والى درجة أن سمعة لبنان الاقتصاديَّة والماليّة طنَّت ورنَّت من بعيد ومن قريب. ولولا اندفاع المملكة العربية السعودية وقطر والكويت لكان الالتباس قد رمى اضراره الفادحة في أرجاء لبنان…
كلنا نعلم علم اليقين والتجربة، منذ العام 1960، مروراً بأعوام حرب بوسطة عين الرمانة، الى يومنا، أن قضية، أو عملية، أو ورشة تأليف الحكومة لا تحتاج الى أكثر من أسبوع، أياً تكن الأجواء والمطالب.
إذاً، تعالوا نتصارح ونتساءل: من “هو” المسؤول عن جرجرة لبنان في ساحات انتخابات رئاسة الجمهورية وتأليف الحكومات… لسنوات وأشهر، وكأن شيئاً لم يكن؟
تسأل المعنيين فيجيبون أنها مسألة “توزير”. توزير مَنْ؟ الطاسة ضائعة. ساعة بالأرقام، وحيناً بالأسماء، وتارة بالمبارزة…
كان من البديهي اتباع الطرق الطبيعيَّة المعتمدة في لبنان الكبير منذ استقلاله، كما هو الأصول، وكما هو متبع في الدول الديموقراطية البرلمانية المنتشرة في هذا العالم. بغربه وشرقه، وإن استثنينا العالم العربي وما حوله.
على هذا، تجدنا نتجرجر نحن ولبناننا المعتَّر: أحياناً سنة تقريباً. وفي تجربتنا الجديدة مع الرئيس الحريري بلغنا حتى الساعة التسعة شهور. ولأسباب تكاد تكون وهميَّة، أن لم تكن أكثر، أي من دون أية أسباب فعليّة. لمجرد إبقاء البلد بدون حكومة. بل لأبقائه معرَّضاً لشتّى الاحتمالات. ولكي يقول الشرق والغرب ان لبنان ذاك غاب الى الأبد.
أما لبنان الساعة، فإن غياب الأَقطاب العرب عن القمة العربية الاقتصادية كان أبلغ رسالة يتلقّاها اللبنانيون من الأشقاء منذ صار لبنان كبيراً، ونال استقلاله، وبنى نظامه البرلماني بنجاح وتفوُّق لعهود عديدة…
الرئيس سعد الحريري، المكلَّف الصامد، يأمل، ويؤمِّلنا، أن يحسمَ الوضع الحكومي خلال الأسبوع المقبل. فلنضع أيدينا على قلوبنا. هل ثمة مفاجعة جديدة من جهة ما، من فئة ما، لغايات ما؟ العلم والنتائج ستنتظر الأسبوع المقبل، وتعدُّ أيامه وساعاته.
الناس الملوَّعون ما زالوا ينتظرون الحسم، ومعرفة التشكيلة الحكومية، وما اذا كانت توحي بالثقة، للداخل والخارج معاً. لكن الأكثرية الساحقة لم تعد يهمها سوى اعلان حكومة ما، ولتكن ما تكون: حكومة يا محسنين!