يحتل موضوع عودة سورية إلى الجامعة العربية حيزا من الاهتمام العربي والديبلوماسي. وتسعى الدول العربية المعنية إلى دراسة الإخراجات التي يمكن اعتمادها من أجل التعاطي مع هذه الخطوة، على رغم أن بعض المسؤولين اللبنانيون يتعاملون معها انطلاقا من حسابات ضيقة ، لها علاقة بالصراعات المحلية، فيقود ذلك إلى شيء من الخفة عند البعض، شهدت القمة العربية الاقتصادية نموذجا منها الأسبوع الماضي.
حتى إشعار آخر لا يبدو أن قرار إعادة سورية إلى الجامعة سيتم قبل القمة العربية المنتظر عقدها في آذار (مارس ) المقبل في تونس. الأمر سيطرح على هذه القمة للبت فيه سلبا أو إيجابا، وعلى أي أسس وبأي هدف وما هي قابلية النظام السوري نفسه للعودة إلى الحظيرة العربية؟ وهناك أسئلة كثيرة تطرح نفسها على طرفي العلاقة، العرب وسورية، إن على المستوى الثنائي أو على المستوى الجماعي.
على رغم الحمى التي تصيب البعض في استعجال العودة تضخيما لخطوات إحادية اتخذت ، فإن معظم الدول المعنية بهذا الخيار، تتعاطى معه بعقل بارد. وإذا كان لا بد لهذه الدول من أن تأخذ في الاعتبار الوقائع الميدانية الجديدة في بلاد الشام، فإن أطراف هذه الوقائع تعد ولا تحصى، بدءا من روسيا، مرورا بإيران وتركيا، وصولا إلى الولايات المتحدة وإسرائيل، من دون أن ننسى أن دولا عربية كانت معنية بقرار تعليق عضوية دمشق، ساهمت ولو بقدر متواضع، في ترجيح هذه الوقائع الميدانية من خلال علاقتها التي لم تنقطع مع النظام. وبالتالي فإن تبسيط الأمر على أن بشار الأسد باقٍ والنظام انتصر على خصومه، لا يفي بالغرض في حسابات الانفتاح مجددا عليه.
أولى الملاحظات التي ترافق أي خطوة انفتاحية هي أن نظام الأسد يتعامل مع الدول التي تتلمس طريقها إلى هذا الخيار، بطريقة انتقامية إزاء إقبالها على الفكرة. تخلق الماكينة الإعلامية للنظام أوهاما في هذا الصدد لدى القابضين على السلطة في دمشق، بأن العرب قادمون إليه صاغرين مهزومين، إلى درجة الترويج عند بعضهم بأنهم ليسوا متحمسين للعلاقة مع العرب. وإذا كان حكام دمشق يعتقدون بأن النظام "هزم أميركا وإسرائيل والعرب"، كما يقولون، فكيف يمكنهم التعاطي مع عودة العرب إلى العاصمة السورية بحد أدنى من المنطق والعقلانية؟ ولربما هذا هو سبب حرص بعض الدول التي فتحت سفارة أو أعادت ديبلوماسيا، على التمهل في الخطوات التالية، فلا تعيّن سفيرا، ولا تتمادى في العلاقة مع مؤسسات النظام، إلا على المستوى الأمني. ومن يذهب منها أبعد قد تقتصر خطواته الانفتاحية على تبادل الزيارات النيابية مثلا، في التدرج المتأني باستعادة العلاقة، أو على استكشاف إمكان تفعيل بعض الخطوات الاقتصادية، في التعاطي مع استثمارات القطاع الخاص العربي في سورية، للملمة خسائر أصيب بها نتيجة الحرب التي عصفت بالبلد. لسان حال بعض العرب قد يكون أنه إذا كان الأسد انتصر بالبقاء في السلطة، فهو انتصر على شعبه وليس على سائر العرب. وبعضها يعتبر أن المرحلة الانتقالية التي تمر فيها سورية تجعل النظام شبيها بصدام حسين في مرحلة ما بعد حرب الكويت.
من التساؤلات التي لا بد من أن تشغل المدققين بخيار عودة سورية إلى الجامعة، هل تتم في شكل يحوّل اجتماعات مقر الجامعة مسرحا للسجالات والمشادات، بين من يعتبر أنه يعود مظفرا ومتفوقا، وبين من يرى أن لا بد من تأتي تلك العودة متزامنة مع العمل على تشجيع الحل السياسي في سورية وتحقيق نوع من التطبيع الداخلي، والسعي إلى خفض التدخل غير العربي في ساحتها وفي تقرير مصيرها؟ لذلك يستحيل أن يتم التطبيع مع النظام من دون التفاهم على أسس ذلك. وهذا يفترض حصول حوارات ثنائية في البداية على الأقل، تتوج بها استعادة دمشق العضوية في الجامعة العربية، لتفادي تحولها لاحقا إلى حلبة شجار يتقنه من يمثلون النظام في الأروقة الديبلوماسية.
حتى العودة السورية في الشكل إلى الجامعة ، تتطلب تسويات واتفاقات مسبقة، فكيف بمضمونها ؟ وإذا صح أن الانفتاح على نظام الأسد مطلب روسي، فإن الحجة القائلة بأن هذه العودة تساعد في أخذ النظام مسافة عن إيران تطرح عما إذا كانت جاءت متأخرة. ولهذا حديث آخر. كذلك حديث الدور العربي في إعادة الإعمار، فيما الميدان مرشح لحروب متفرقة.