عودة الحركة السياسية بحثاً عن مخرج لأزمة تشكيل الحكومة، أحيت الآمال التي تلاشت على صعيد التأليف نتيجة تمسك الأطراف المعنية كل بشروطها لفك أسر الحكومة، فالتيار الوطني بقيادة الوزير جبران باسيل وبتفويض من رئيس الجمهورية ما زال يريد حل الأزمة بما يتناسب مع مشروعه للاستئثار بأكثرية الثلث الضامن أو المعطل في الحكومة لأسباب لم يعد يخفيها التيار عن الأطراف الأخرى، وفي مقدمها السباق على إنتخابات رئاسة الجمهورية الذي يخوضه الوزير باسيل باعتراف صريح من رئيس الجمهورية بأن رئيس التيار الوطني الحر يحتل المرتبة الأولى في السباق الرئاسي.
وليس هناك، أي مؤشر يدل على أن الوزير باسيل يُمكن أن يُعيد النظر في الحصول على الثلث المعطل في الحكومة العتيدة، وفق ما بحثه مع الرئيس المكلف في آخر لقاء لهما هذا الأسبوع وما نقلته أوساط الرئيس الحريري من على المنابر الإعلامية أو عبر تسريبات صحفية إلى أكثر من مصدر، بقدر ما ان العكس هو الصحيح، أي أن الوزير باسيل متمسك بشروطه حتى ولو تأخر تشكيل الحكومة بضعة أشهر أخرى، على حساب سمعة الدولة اللبنانية وبرصيد العهد الذي يتلاشى مع كل يوم تأخير في التشكيل.
وفي حال اعتبرنا أن العقدة الباسيلية ما زال ثمة أمل عند الرئيس المكلف في حلها بعدما وصلت أوضاع الدولة ومعها العهد إلى حافة الانهيار وفق كل التقارير الصادرة عن أهل الاختصاص، فإن عقدة التمثيل للنواب السنة الستة الذين يسمون أنفسهم اللقاء التشاوري لم تجد بعد أي حل لها كما يقول النواب أنفسهم، وكما يُؤكّد حزب الله، مما يعني ان التسوية ما زالت بعيدة وان التفاؤل الذي أبداه الرئيس المكلف بحسم الأمر خلال هذا الأسبوع، مشكوك في صحته وقد لا يكون مختلفاً عن المواعيد التي أطلقها قبل ثلاثة أشهر وذهبت أدراج الرياح، وهذا يدفع الذين استمعوا إلى ما قاله الرئيس المكلف بعد زيارته إلى رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب السابق وليد جنبلاط إلى فتح قوسين على ما قاله الرئيس المكلف وما يعنيه بكلمة الحسم والتساؤل، هل يقصد بذلك تجاوز العقد وتشكيل حكومة بمن حضر بناء على ما تردّد خلال الأسبوع الماضي، أم يأخذ الخيار الأصعب وهو الاعتذار عن الاستمرار في التكليف وفتح كل الأبواب أمام أزمة سياسية لا يعرف أحد متى تنتهي وكيف ستنتهي، وهل يستطيع العهد تحمُّل مثل هكذا صدمة، في الوقت الذي تعول أكثر من دولة على قيادة الرئيس الحريري لحكومة اتحاد وطني متوازنة تفي بكل التزاماتها تجاه المجتمع الدولي الذي ما زال حتى الآن يُبدي كل استعداد لمساعدة لبنان على الخروج من أزماته الاقتصادية والاجتماعية والمالية وحتى النقدية وإنقاذه من السقوط في الهاوية.
هذا السؤال يشغل بال اللبنانيين في ظل استمرار العاصفة السياسية التي تضرب لبنان منذ عشرات السنين من دون توقف، ما أوصل هذا البلد إلى ما هو عليه اليوم من تشرذم وتفكك وانحلال،إلا إذا كان الرئيس الحريري قد اقتنع بفكرة تعويم حكومته المستقيلة وفقاً لما طرحه نائب وزير الخارجية الأميركية، وعندها يُمكن القول بأن البلد اجتاز أزمة التأليف بانتظار ما ستؤول إليه التطورات في المنطقة بعدما أصبح لبنان جزءاً منها.