العراقيون غيرُ المستأجَرين لخدمة مشروع الخميني، لا يرون لهم ولا لوطنهم ناقة ولا جملا في معارك الإيرانيين والأميركيين على أرضهم. والغالبية العظمى منهم لن تُستغفل هذه المرة ولن تُزج في هذه المحرقة.
 

قبل أن تغزو أميركا جورج بوش الابن العراق في العام 2003 كانت المصالح العليا الأميركية تقتضي التعاون مع نظام دولة الخميني على إسقاط نظام صدام حسين، وذلك حين قدمت دعمها المالي والسياسي والعسكري غير المحدود للمعارضة العراقية، حتى وهي تعرف، أكثر من غيرها، بأن أحزاب تلك المعارضة إيرانية، لحما ودما، دون أن تعبأ بطبيعة النظام الإيراني الديني الطائفي المعادي لكل ما له علاقة بالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، والساعي، علنا ودون مواربة، إلى بسط نفوذ دولته العنصرية المتشددة، بالعنف والإرهاب والتخريب والتهديد والاغتيال، على دول مهمة في المنطقة للولايات المتحدة فيها مصالح استراتيجية كثيرة وحساسة إلى حد كبير.

ثم أقدم جورج بوش على غزو العراق وأعطى لنظام الخميني جميع شؤون الدولة العراقية السياسية والاقتصادية والأمنية والثقافية، ليتخذه قاعدة ينطلق منها إلى سوريا ولبنان واليمن وغيرها.

ومنذ ذلك الحين وملالي طهران ووكلاؤهم العراقيون واللبنانيون والسوريون واليمنيون مصابون بغرور القوة، وبالتعالي والاستهانة بالآخرين، ويباهون بولادة الدولة الفارسية التي تمتد حدودها إلى شواطئ البحر المتوسط والأحمر والخليج والمحيط، ويعدون باستمرار توسعها، ودوام جبروتها، ويهددون بأنهم سيقاتلون دول العالم كلها، كبيرها وصغيرها، لحماية مستعمراتها.

ويبدو، اليوم، في عهد الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب، أن المصالح الأميركية العليا التي اقتضت، بالأمس، إطلاق يد النظام الإيراني في المنطقة، قد تغيرت، وأصبح أول أهدافها وأخطرها إعادة إيران إلى حجمها السابق الحقيقي، دولة اعتيادية بلا أظافر ولا أنياب.

ومن أجل تحقيق ذلك أوكل ترامب لبنيامين نتنياهو مهمة تدويخها في سوريا وإنهاكها، وضرب هيبتها، فيما أخذ هو على عاتقه تدويخها في العراق، وإخراجها منه، بكل وسيلة متوفرة.

ويبدو أن هذا هو الذي أشعل جنون الملالي ودفع بهم إلى تكليف وكلائهم العراقيين بالدعوة إلى إخراج القوات الأميركية، والإفتاء بمشروعية قتالها.

أما العراقيون غيرُ المستأجَرين لخدمة مشروع الخميني فلا يرون لهم ولا لوطنهم، لا حاضرا ولا مستقبلا، ناقة ولا جملا في معارك الإيرانيين والأميركيين على أرضهم. ويمكن القول إن الغالبية العظمى منهم لن تُستغفل هذه المرة، ولن تُزج في هذه المحرقة، وبأسُهم بينهم، وفخار يكسِّر بعضه.

خصوصا وأن النظام الإيراني أذاق الملايين العراقية، وأبناءُ طائفته في مقدمتها، كلَّ ظلم وإذلال، لم يُبق في قلب عراقي شريف واحد رحمةً به، أو شفقة عليه. فقد سلط عليهم أفسد أبنائهم ذمة، وأكثرَهم خيانة، وأقلهم وطنية ورجولة، وأفسد عليهم، هو ووكلاؤه وقادة أحزابه وميليشياته، هواءَهم وماءهم ودواءهم، جاعلا من دولتهم وطن الخرافة والخوف والموت والجهل والجوع. ألم يضعه في آخر قائمة الدول الفاشلة؟