نقلت وكالة أنباء الطلبة الإيرانية عن بيانات رسمية الأربعاء أن السلطات الإيرانية سرحت أكثر من 66 ألف موظف في 2018 بسبب إجراءات حكومية تقشفية، فيما اشتدت قسوة العقوبات الأميركية على طهران ما ينذر، حسب محللين، بانهيار اقتصادي بات وشيكا.
وذكرت الوكالة أنّ التسريحات شملت 14 وزارة إلى الآن، على رأسها وزارة التعليم، مشيرة إلى أنّ عدد الموظفين المسرحين من قطاع التعليم بلغ 35 ألف موظف.
ويؤكد اقتصاديون أن اعتماد الاقتصاد الإيراني على صادرات النفط والغاز، وضعف القطاع الخاص، خلق بطالة مقنعة في دوائر الدولة، فيما خنقت الحزمة الثانية من العقوبات الأميركية إيرادات البلاد من العملة الصعبة.
وشملت الرزمة الأولى من العقوبات الأميركية تجميد التعاملات المالية وواردات المواد الأولية، كما تستهدف قطاعي السيارات والطيران التجاري.
ويُتوقع أن يكون تأثير الحزمة الثانية من العقوبات التي دخلت حيز التنفيذ في 4 نوفمبر الماضي وتستهدف قطاع النفط الذي يعد حيويا بالنسبة إلى إيران، الأشد وطأة حتى لو رفض أبرز مستوردي الخام الإيراني كالصين والهند تقليص مشترياتهم إلى حد كبير.
ومع اشتداد قسوة العقوبات الأميركية على إيران التي عمقت أزمة الاقتصاد المنهك، ما أدى إلى ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة، خرج المتقاعدون الشهر الماضي للاحتجاج أمام مبنى البرلمان في طهران بعد أن استشعروا توجها حكوميا نحو التغاضي عن مطالبهم برفع مرتباتهم في الموازنة الجديدة، فيما لا تملك السلطات الاستجابة للمطالب الاجتماعية في ظل سقوط حر للاقتصاد المتهاوي يستوجب وفق رأيها المزيد من التقشف. ونظم متقاعدون في العاصمة الإيرانية طهران وقفة احتجاجية رفضا لتجاهل حقوقهم القانونية، وعدم كفاية رواتبهم، فيما يغدق النظام الأموال على دعم ميليشياته في الخارج كالحوثيين في اليمن وحزب الله اللبناني رغم الأزمة الاقتصادية التي يعيشها.
ويتوقع مراقبون أن صمود النظام الإيراني تجاه التحركات الاحتجاجية التي تجاوزت محدودي الدخل إلى المواطنين الأكثر ثراء كالتجار، لن يطول كثيرا مع اشتداد وطأة العقوبات الأميركية.
ويرى هؤلاء أن اتباع سياسة المزيد من التقشف من قبل النظام لن يأتي أكله على المدى المتوسط والبعيد، إذ تم التنبؤ بمزيد تفجر الأورام الاجتماعية واتساع دائرة الغضب الشعبي على النظام الذي يغدق الأموال على أذرعه في الخارج ويستثني الداخل المنهك من أجنداته عبر التجييش الدعائي وتصوير الوضع القاتم في البلاد على أنه مؤامرة غربية يجب التضحية من أجل مواجهتها.
ولم تعد شعارات المؤامرة التي يلتجئ إليها النظام في كل الأزمات التي تعصف به تجد آذانا صاغية في ظل انتشار الفساد والمحسوبية داخل البلاد، خاصة المؤسسات المرتبطة مباشرة بالمرشد الأعلى علي خامنئي التي ازداد ثراؤها رغم الأزمة الاقتصادية.
وكشف رئيس مجموعة العمال في مجلس الشورى الإيراني علي رضا محجوب، أن معدل الفقر المدقع في إيران وصل إلى 34 بالمئة، فيما يبدد النظام الإيراني الأموال في دعم وتمويل الميليشيات التابعة له خارج البلاد.
وأشار محجوب في حديثه لصحيفة عصر إيران، إلى أنّ معدل الفقر المدقع ارتفع ضعف ما كان عليه العام قبل الماضي، مبيّنا أن نسبة الفقر المدقع بلغت 17 بالمئة، لترتفع في 2018 إلى 34 بالمئة. وأوضح أنّ الأشخاص الذين يتلقون مرتبا يعادل أقل من دولارين في اليوم، يصنفون على أنهم ضمن مستوى الفقر المدقع، بناء على توصيف منظمة العمل التابعة للأمم المتحدة.
وتعيش إيران على صفيح اجتماعي ساخن، ما دفع بالأقليات العرقية في البلاد إلى التمرد والاحتجاج، بعد أن شعرت أنها المستهدف الأول لسياسة التقشف التي تحاول الحكومة اعتمادها للتقليص من تأثيرات عودة العقوبات.
ويرى مراقبون أن تمرد الأقليات وخروجهم للاحتجاج لا يمكن أن يفهما بمعزل عن موجة الاحتجاجات الاجتماعية المنددة بالفساد المستشري في مؤسسات الدولة وانتشار الفقر والتهميش في بلد يطفو فوق بحيرة نفط.
وتفجرت مظاهرات شعبية عارمة في إقليم خوزستان الإيراني مؤخرا، الذي تقطنه غالبية العرب الإيرانيين، حاول النظام التعتيم الاعلامي حولها، خوفا من توسع رقعتها لتشمل بقية الأقليات المضطهدة في البلاد، فيما تشهد بقية الأقاليم الفارسية غليانا مجتمعيا قد يعجز النظام في طهران عن مواجهة تداعياته، بعد أن تمكن بصعوبة من إخماد الاحتجاجات الاجتماعية التي ضربت البلاد يناير العام الماضي.
وتعاني الأقليات العرقية في إيران، وهم الأذريون والجيلاك والأكراد والبلوش العرب إضافة إلى التركمان، تهميشا اجتماعيا متعمدا ممزوجا بدوافع أيديولوجية تحكم النظام السياسي في طهران، ما يدفع بهذه الأقليات إلى الاحتجاجات والمظاهرات العارمة المطالبة بالإدماج في المجتمع، وهو ما تقابله السلطات بالعصى البوليسية كعادتها.
ولا تكتفي السلطات الإيرانية بالتهميش الثقافي للعرب في الأحواز بل تتعدى ذلك إلى التهميش المجتمعي، إذ بلغ الفقر وتدهور الوضع المعيشي بالمواطنين الأحوازيين إلى درجة لا تطاق، حيث تذهب فرص العمل والتوظيف للمهاجرين الذين تأتي بهم السلطات من المحافظات الأخرى لتحرم أبناء الإقليم، الذين يعيشون على بحر من النفط، من فرص العمل والحياة الكريمة.
وسلطت الاحتجاجات الضوء على أزمة القوميات في إيران، وخاصة في المحافظات الحدودية، التي كانت الشرارة الأولى للمظاهرات التي اندلعت يناير في كامل أرجاء البلاد، احتجاجا على تردي الأوضاع الاقتصادية، واتخذت منحى سياسيا بعد ذلك، إذ طالب المتظاهرون بسقوط النظام الإيراني والمرشد الأعلى علي خامنئي.