تساءل الكاتب السعودي خالد الدخيل بعد المقاطعة العربية لقمّة بيروت الاقتصادية ساخراً: هل (الرئيس) عون رئيساً للبنان، أم وكيلاً للأسد وإيران، وهل ضعفه واستضعافه للعرب إلى هذا الحدّ؟
ونقول للكاتب الدخيل: حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسبوا.
أولاً: وضع يد إيران على العراق وسوريا...
نود أن نلفُت نظر السيد الدخيل أنّ الأمور لا تقتصر على اعتبار الرئيس عون وكيلاً للأسد وإيران أم لا، والأقرب للواقع هو اعتبار لبنان بكامله في قبضة إيران، ويمكن اعتبار الرئيس السوري وكيلاً إيرانيّاً كي لا نستعمل تعبيراً آخر، واعتبار بعض السياسيّين اللبنانيين في دائرة الخضوع والامتثال للرئيس السوري والتّوجُّهات الإيرانية.
أمّا بصدد ضعف الرئيس واستضعافه للعرب، فذلك واقعٌ قبل عون وربما بعده إذا استمرّت الأحوال على هذا المنوال، ذلك أنّ سوريا ولبنان ومعهما العراق طبعاً، يقعون في دائرة النفوذ الإيراني منذ عقود، وتكاد المسؤولية الأولى تقع على سياسة دول الاتحاد الخليجي وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية، فمنذ أن بدأ النفوذ الإيراني بالنفاذ إلى ما دُعي بالهلال الشيعي مطلع الثمانينيات من القرن الماضي، كانت دول الخليج في سُباتٍ عميق وتهاونٍ وتقاعس إلى حدود التّخاذل. وحين كانت المملكة العربية السعودية ومعها الإمارات العربية المتحدة مُنهمكتان بنشر الفكر الأصولي، وطبع المنشورات الدينية التي تُغذّي التّطرُّف و"الإرهاب" ونشر الدُّعاة في أنحاء المعمورة، ومكافحة الخطر السوفيتي في أفغانستان، ونشر "الإسلام" بصيغٍ جامدة ومُنفّرة، ومحاولات القيام بدور الوسيط بين صدام حسين وروح الله الخميني خلال حرب الخليج الأولى، كان الإيرانيون مُهتمّين بـ "حلّ مشكلة صدام وحزب البعث أولاً"، كما أوكل علي أكبر هاشمي رفسنجاني إلى القوات الإيرانية، وشرط هذا بإطاحة الحكم العراقي، وضمّ الشعب العراقي "الإيراني" تحت لواء "حكومة إسلامية" مرجوّة وإقامة "إتصال مباشر بالطريق البرّي إلى لبنان"، وإرسال مُتطوّعين إيرانيّين إلى الجبهة اللبنانية يتولّون محاربة إسرائيل واسترداد القدس، وكان رفسنجاني قد صرّح بأنّ الطريق إلى القدس يمُرّ عبر كربلاء..والطريق إلى لبنان هو بدوره يقود إلى القدس (راجع وضاح شرارة، دولة حزب الله، ص 314)، والزّحف نحو القدس وفق السياسة الخمينيّة لا يتحقق إلاّ ب"تحرير" العراق من حزب البعث.
لم تلتفت دولتكم، أيها الكاتب العزيز، إلى ما نبّه إليه العاهل الأردني الراحل الحسين بن طلال من مخاطر على بلده، والأمّة العربية معه، في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي، فحذّر من "حشر" بلده بين عراق خميني وسوريا أسديّة، ولبنان بوابة مُتوسّطيّة لدمشق واحتياجاتها. لم تتنبّه دولتكم لمخاطر رهن سوريا بين يدي النظام الإيراني بدلالات الاتفاق النفطي بين سوريا وإيران الموقّع عام 1980، والذي تعهدت فيه إيران بتقديم هبة مليون طن من النفط الخام سنوياً إلى سوريا، وبيعها أربعة ملايين طن من النفط الخام سنويّاً بسعرٍ ثابت هو ثلاثة عشر دولاراً للبرميل الواحد، وغطّت هذه الهبة احتياجات سورية عدة، ونشطت إثر ذلك عمليات تهريب المازوت والبنزين إلى لبنان.
ثانياً: وضع اليد على لبنان...
انتهجت السياسة الخمينيّة في لبنان سياسة إرساء "مؤسسات الجمهورية الإسلامية الإيرانية في لبنان"، فأوفدت السيد عيسى طباطبائي قبل انتصار الثورة إلى لبنان، وأول المؤسسات كانت "لجنة إمداد الإمام الخميني (قد) ".ثم "جهاد البناء"، أمّا المؤسسات فهي الاسم الذي يُسمّى به المدد الإيراني الرسمي، أي المساعدات المالية والعينية التي مصدرها الإدارات الإيرانية، ويترافق عمل المؤسسات مع المصاريف الباهظة التي تُخصّص للجهازين السياسي والعسكري والمنضوية تحت قبضة حزب الله، ومع غياب الوثائق والمستندات التي تقارب التمويل الإيراني في لبنان تترجّح الأرقام أواسط التسعينيات من القرن الماضي ما بين عشرين مليون دولار ومائة وستّين مليوناً، هذا بالإضافة للتّمويل المحصّل من طريق الحقوق والخُمس وغيرها من المداخيل "الشرعية".
ولا يتوقّف الأمر على المساعدات الدورية، فقد درجت العادة على قيام إيران بتأمين "جسر مالي" غداة كل عمل عسكري إسرائيلي، كما حصل إثر عملية "تقديم الحساب" عام 1993 وعميلة "عناقيد الغضب" عام 1996 وحرب تموز عام 2006.
كانت إيران جادّة في مشروعها التّوسّعي طوال أربعين عاماً، وحالُنا حال ندور الخادم مع الملك الذي قضمت عرشه سوسةٌ جازت القصر ودبّت في الجذور، وبعد وقوع الواقعة رغم تحذير ندور الخادم:
قال يا مولاي لا تسأل ندور
أنا لا أفهمُ في هذي الأمور.