تكشف زيارة الرئيس السوداني عمر حسن البشير إلى قطر حجم الارتباك، الذي يعيشه السودان، بسبب المواقف المتقلبة لرئيسه وانتقاله من حلف إلى آخر، وهو ما حال دون حصول الخرطوم على دعم عربي للخروج من أزمتها الحادّة.
وتقول أوساط سودانية معارضة إن البشير يحاول الإيهام بامتلاك بدائل تساعده على تقديم وعود جديدة للسودانيين لامتصاص غضبهم ووقف الاحتجاجات الواسعة، لافتة إلى أن الزيارة لن تخرج الرئيس السوداني من عزلته خاصة أن قطر بدورها تعيش أزمة بسبب المقاطعة الصارمة للرباعي العربي.
وأشارت إلى أن البشير سبق أن راهن على تحالفه مع قطر دون أن يحصل منها سوى على الوعود، وعلى العكس فقد وجد نفسه جزءا من تحالفات عادت بالوبال على السودانيين وأفسدت علاقاتهم مع دول عربية مهمة مثل دول الخليج ومصر.
وكان أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أكد، بعد أيام من بدء الاحتجاجات، في اتصال بالبشير “وقوف بلاده مع السودان وجاهزيتها لتقديم كل ما هو مطلوب لتجاوز المحنة التي يمر بها”. لكن البشير، الذي يبدو أنه ملّ من انتظار الدعم القطري، توجه إلى الدوحة على أمل تحويل تلك الوعود إلى أفعال.
ويعتقد السودانيون أنهم ضحية حسابات البشير الشخصية وتحالفه مع قطر وتركيا وجماعات الإسلام السياسي، وهو ما حال دون حصولهم على دعم قوي ودائم لدول مثل السعودية والإمارات أسوة بدول أفريقية جارة مثل إيرتريا وإثيوبيا اللتين أصبحتا ضمن دائرة اهتمام الرياض وأبوظبي.
وتعد زيارة الدوحة هي الأولى خارجيا للرئيس السوداني، منذ اندلاع احتجاجات ببلاده في ديسمبر الماضي.
وأفادت وكالة الأنباء السودانية أن البشير سيجري مباحثات مع أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني تتناول العلاقات الثنائية بين البلدين، وجهود تعزيز السلام في إطار وثيقة الدوحة. كما يبحث الاجتماع، وفق ذات المصدر، القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك.
ويشهد السودان منذ 19 ديسمبر الماضي احتجاجات دامية عقب قرار الحكومة رفع أسعار الخبز. وتصاعدت حدّتها لتتحوّل إلى تظاهرات واسعة ضدّ حكم البشير المستمرّ منذ ثلاثة عقود.
ويحاول النظام السوداني امتصاص غضب الشارع عبر مبادرات مختلفة، آخرها دعوة حزب المؤتمر الوطني الحاكم إلى “مبادرة لجمع الشمل”.
وقال الحزب في بيان، إن “المبادرة تخاطب أبناء الوطن كافة في ظل موجة الاستقطابات الحادة التي يشهدها المجتمع، بسبب الأزمة الاقتصادية التي تمرّ بها البلاد”.
وخلّفت موجة الاحتجاجات في السودان 26 قتيلا بينهم اثنان من عناصر الأمن، بحسب حصيلة رسمية، إلا أن منظمات دولية تقول إن الحصيلة بلغت 40 قتيلا بينهم أطفال وعناصر من الكادر الطبي.
ويرى محللون أن هذه الاحتجاجات تشكل أكبر تحدّ للرئيس البشير منذ وصوله إلى السلطة في 1989، مشيرين إلى أن التعامل الأمني سكب الزيت فوق غضب الشارع السوداني وساهم في اكتساب المظاهرات زخما إضافيا عبر انضمام فئات وقطاعات جديدة.
وكان لافتا اتساع رقعة الاحتجاجات، وذلك عقب تصريحات اثنين من قيادات الحزب الحاكم تهدد المتظاهرين بـ”كتائب الظل وقطع الرؤوس″.
ووفق المراقبين، فإن لغة التهديد من قيادات “المؤتمر الوطني” الحاكم فاقمت الغضب في نفوس المحتجين، وجعلتهم أكثر إصرارا على مواصلة الاحتجاجات، بل دفعت حتى المترددين من المواطنين إلى الانضمام إلى حشود الغاضبين.
وفي لقاء تلفزيوني سابق، قال علي عثمان طه النائب الأول السابق للبشير، وهو أيضا قيادي بالحزب الحاكم “صحيح أن هناك محتجين غرضهم تحسين وضعهم، لكن هناك فئات مندسة من سياسيين ومخربين، ويحق للحكومة أن تتعامل معهم بحزم”.
وهدد طه المتظاهرين والمحتجين قائلا “ليست لديكم قوة تجتثون بها هذا النظام، لأنه محمي بكتائب ظل وميليشيات تقف خلف مؤسسات الدولة، ومستعدة للموت في سبيل بقاء هذا النظام”.
ويعاني السودان من أزمة اقتصادية يغذيها نقص حادّ في العملة الأجنبية وانكماش متصاعد أدى إلى مضاعفة أسعار الغذاء والدواء.
وكان البشير وصف المتظاهرين بأنهم “عملاء” و”خونة”، محمّلا إياهم مسؤولية أعمال العنف.