كلما تأخر تشكيل الحكومة كلما زادت الأزمات التي تعصف بالرئيس سعد الحريري الذي لا يكاد يخرج من مأزق حتى يقع بآخر ليصل الأمر في نهاية المطاف الى بيته الداخلي الذي يبدو أنه بات بمنازل كثيرة..
لا يختلف إثنان على أن الرئيس الحريري في وضع لا يُحسد عليه، فالاخفاق المتكرر في تشكيل الحكومة والمواعيد التي تُعطى تباعا من دون أن تتحقق، تأكل من رصيده ومن رصيد عهد الرئيس ميشال عون، وما يزيد الطين بلة لدى الحريري هو الاحراج المتنامي الذي يتعرض له، داخليا ضمن تياره، ومحليا مع الأطراف السياسية الأخرى، وإقليميا..
داخليا، يواجه الحريري إعادة لسيناريو اللواء أشرف ريفي، مع وزير شؤون النازحين في حكومة تصريف الأعمال معين المرعبي الذي شنّ هجوما عنيفا على وزير الخارجية جبران باسيل عشية إنعقاد القمة العربية الاقتصادية على خلفية قضية النازحين السوريين، الأمر الذي أحرج الرئيس المكلف مع صديقه وزير الخارجية، فاضطر الى التبرؤ مما قاله المرعبي، محدثا شرخا ضمن تياره، خصوصا مع دخول وزير الداخلية نهاد المشنوق على خط التناقضات باعلان تأييده لموقف المرعبي الذي وجد تضامنا مستقبليا غير معلن معه، ما إنعكس سلبا على صورة التيار وتماسكه السياسي، إضافة الى معاناة الحريري مع ضعف حضور بعض نواب المستقبل والأخطاء التي يرتكبونها لتصبح موضع تندر وسخرية على مواقع التواصل الاجتماعي وفي البرامج الفكاهية التي تعرض على شاشات التلفزة.
محليا، تأخذ أطراف سياسية لبنانية عدة على الرئيس الحريري إنسجامه الى حدود التماهي مع جبران باسيل وصولا الى تنفيذ رغباته، وإعتماده منطق “النكاية” ضد الجميع لا سيما عندما أعلن أن “العلاقة المستقبلية ـ العونية رح تجنن كتير ناس”، الأمر الذي يجعل النائب السابق وليد جنبلاط ونوابه غير مرتاحين لسلوك الحريري، ويدفع الدكتور سمير جعجع الى الدخول في عزلة طوعية في معراب، ويأخذ الكتائب الى المعارضة الشرسة، ما يؤدي الى زعزعة الكتلة السياسية المحسوبة على 14 آذار والتي يحسب الحريري أنه ما يزال قادرا على الاستناد عليها.
إقليميا، يواجه الحريري إرباكا كبيرا في الموضوع السوري، خصوصا أن حليفه جبران باسيل يسعى الى دفع سوريا نحو الحضن العربي مجددا من خلال إعادة مقعدها الى الجامعة العربية، وبالتالي إنعاش علاقاتها مع لبنان وتسهيل شؤون اللبنانيين المعنيين بتصدير منتوجاتهم عبر أراضيها لا سيما معبر نصيب، في حين يقف الرئيس الحريري مكبلا أمام إندفاعة باسيل لاعتبارات سعودية وعربية مختلفة، لكن في الوقت نفسه إستقبل في بيت الوسط السفير الايراني بعد يوم واحد من إستقباله المبعوث الأميركي ديفيد هيل، الأمر الذي ترك سلسلة تساؤلات حول التخبط السياسي للرئيس المكلف.
أما الارباك الأكبر الذي واجهه الحريري هو مشاركة أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني في القمة العربية الاقتصادية في بيروت، والدعم المالي الذي قدمه عبر شراء قطر سندات خزينة بقيمة 500 مليون دولار، وهو أمر قد يسبب للحريري إحراجا كبيرا أمام السعودية التي تقود حصارا على قطر، وربما يجعله أمام مساءلة “أميرية” جديدة.
يشير مطلعون الى أن صمود الحريري في ظل كل هذه الأزمات التي تعصف به، مرده الى أمرين إثنين، الأول دعم رؤساء الحكومات السابقين ودار الفتوى والمجلس الشرعي له وتشكيل شبكة أمان حول صلاحيات وموقع رئيس الحكومة، والثاني قناعة كل الأطراف السياسية الحليفة والمتخاصمة مع الحريري أنه لا يزال رجل المرحلة التي تحتاج الى حكومة سريعة تنقذ ما يمكن إنقاذه.. قبل فوات الأوان وقبل تبدل المعايير السياسية.