تلاحظ مصادر ديبلوماسية غربية، أن هناك تمايزاً في السياسة الأميركية حيال النظام السوري عما هي عليه تجاه إيران وحلفاء إيران في المنطقة. هناك مرونة في التعامل مع الملف الأول، في حين أن هناك تشدداً في التعامل مع الملف الآخر، مع أن المصادر، تلاحظ أيضاً أن السياسة الأكثر وضوحاً لدى الإدارة الأميركية هي سياستها تجاه إيران أكثر مما هي تجاه سوريا.
تقول المصادر، أن التمايز في السياسة الأميركية حيال الملفين، يعود إلى مسألة أساسية. هي أن المشكلة مع إيران مختلفة عن المشكلة مع سوريا. أي أن الولايات المتحدة تواجه مشكلة إستراتيجية مع إيران فيما هي ليست كذلك مع النظام الذي إذا ضعفت إيران سيضعف حتماً.
والآن دعت واشنطن إلى عقد مؤتمر بولندا وسيضم ٧٠ دولة بإستثناء إيران وسوريا. ويشكل تظاهرة دولية ضد سلوك إيران ونفوذها في المنطقة من دون أن تتوقع المصادر الديبلوماسية له أن يتخذ اجراءات عملانية تؤدي فعلاً إلى تحجيم الدور الإيراني. ومع إيران تاريخ طويل من العداء، نتجت عنه عقوبات أميركية على إيران، ثم إتفاقاً نووياً إذا خرقته إيران يعتبر مشكلة، هناك عقوبات على إيران في شأن الصواريخ البالتسية وحقوق الإنسان والإرهاب، أما العقوبات حول النووي فقد أزيلت تدريجياً بعد التوقيع عليه وحصلت حوافز لتطبيقه من الإدارة السابقة، وعملت الإدارة الحالية على الإنسحاب من الإتفاق كلياً.
فضلاً عن ذلك، الغرب وواشنطن يعتبران أن إيران داعم أساسي للإرهاب، وهي تمثل خطراً على إسرائيل، ثم أنها داعم أساسي للمنظمات الإرهابية، بحسب المصادر، مثل دعمها لـ "حزب الله" في لبنان وللحوثيين في اليمن وللشيعة في البحرين والميليشيات العراقية.
بالنسبة إلى الموضوع السوري، فإن الولايات المتحدة تعتبر أن التحالف الإيراني مع النظام اضافة إلى الدور الروسي جعله يصمد، وإن هناك خطورة في فتح جبهة الجولان وتحريكها بدعم إيراني، أي المسألة مع سوريا هي إستخدام إيران لها لتحويلها إلى موقع من شأنه تعزيز نفوذ إيران في المنطقة ودورها الإقليمي.
وبالتالي، تؤكد المصادر أن الموضوع الإيراني بالنسبة إلى الولايات المتحدة يمثل خطراً إستراتيجياً، وهو الأمر غير الموجود بالنسبة إلى التعامل مع النظام السوري. الخوف من إمتلاك القنبلة النووية الإيرانية، ليس موجوداً بالنسبة إلى سوريا، التي تفتقر إلى هذه المقومات العسكرية - الأمنية. وليس لدى سوريا ميليشيات في الشرق الأوسط تمثل خطراً إستراتيجياً في إطار السعي للسيطرة عليه، وإن كان النظام حليفاً للميليشيات الإيرانية.
الوضع مختلف تماماً، لذلك كانت أولوية الإدارة الأميركية إتخاذ موقف بالنسبة إلى إيران والحد من نفوذها، مثل محاربة "داعش" تماماً، على أن تتم معالجة النظام السوري في وقت لاحق، لأن معالجته أسهل من معالجة الملف الإيراني.
وبحسب المصادر، فإن سوريا لا تمثل أولوية أميركية. حتى أنه على الرغم من الأولوية الإيرانية، لكن أيضاً فإن هدفها الحد من نفوذها وسلطتها في الشرق الأوسط، لا يتضمن خطة واضحة مع تفاصيلها. وفي الأساس لم تضع بعد الإدارة خطة لطريقة تعاملها مع الأزمة السورية.
الفرق في إنعدام وجود الخطتين هو أن إسرائيل أولوية، ومحاربة واشنطن لايران لها علاقة بهذه الأولوية، في حين أن النظام السوري ضعيف على الرغم من إستمراريته، وحزب الله في سوريا يعاني، والنظام ليس خطراً على واشنطن ولا على تل أبيب. لذلك التركيز هو على إيران، وعلى الرغم من قرار الإنسحاب الأميركي من سوريا، إلا أن الأمر لن يغير موقف واشنطن من التركيز على العملية السياسية للحل، ولعدم إضفاء شرعية على الأسد. والإدارة التي مضى على تسلمها نحو السنتين، لم تقم في المنطقة أو في ملف إيران وسوريا بخطوات أساسية، سوى العقوبات المالية على إيران.
كل الإدارات الأميركية تأخذ وقتاً لبلورة سياستها الخارجية، لكن هذه الإدارة ستستغرق أضعاف الوقت المعروف، نظراً لعدم إستكمال التعيينات الإدارية، والتخبط الداخلي، والوضع السوري حتى الآن متروك وفق معادلة أن الإدارة لا ترغب بنزاع مع الروس حول سوريا، لكنها تضغط في التمويل، بمعنى أنها لن تساهم في المادة اعمار سوريا أو تطلق هذه المساهمة دولياً، إلا بعد الإنتهاء من الحل السياسي.