تتجه الأنظار، لبنانياً، إلى ما بعد القمّة الاقتصادية في بيروت. اهتمامات الأفرقاء متعددة ومتعارضة. سيكون للنظام السوري مساعيه، التي من خلالها سيستعيد اعتباره. سيواجه حزب الله التصعيد الذي بدأ يلوح في الأفق لبنانياً، وتلقّيه ضربات إسرائيلية تستهدف القوات الإيرانية في سوريا. سيسعى رئيس الجمهورية، ميشال عون، إلى تعزيز وضعه، وإطلاق عهده بحملة تصعيد سياسي -إعلامي بوجه كل من يعرقل تشكيل الحكومة. سيعمل رئيس الحكومة المكلف، سعد الحريري، على إطلاق مشاورات جديدة، قد تفضي إلى تشكيل الحكومة، بأسرع وقت، للمرور من بين العقبات التي تعترض آلية التشكيل. وهي عقبات قد تصل، في لحظة ما، إلى قلب الطاولة عليه وعلى كل التوافقات.
حسابات باسيل الدمشقية
رئيس التيار الوطني الحرّ، جبران باسيل، أصبح لديه حسابات مختلفة. وهو، وإن لم يستطع إعادة سوريا إلى الجامعة العربية، ودعوتها إلى قمّة بيروت، فقد نجح في إبراز الحضور السوري في غمرة الغياب، عبر ضجيج السجال حول إعادة سوريا إلى الجامعة العربية، وإعلانه في ختام القمة أنها مناسَبة تؤسس لأن يعود أعضاء الجامعة العربية إلى عددهم الأساسي، وهو 22 دولة. ومن خلال طرح ملف إعادة الإعمار وملف عودة اللاجئين، مهّد باسيل طريقه، ووفر ظروفاً ملائمة، لتبرير زيارة رسمية إلى دمشق، ولقاء رئيس النظام بشار الأسد... من باب إظهار ما استطاع لبنان فرضه على القمة، فيما يخص اللاجئين وعودتهم. وهو يستبق ذلك في تكرار موقفه المتشددّ، حيال موظفي المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، واتهامه لهم بأنهم يحرّضون اللاجئين على عدم العودة، وتخويفهم منها. وهذا قد يستدعي تنسيقاً لبنانياً سورياً للبحث في سبل إنجازه. وأيضاً من بين مسوّغات الزيارة، سيكون النقاش حول مشاركة لبنان في إعادة الإعمار.
مخرج حكومي
اللافت أن كلام باسيل عن سوريا وإعادتها إلى الجامعة العربية، لم يلق أي ردّ من رئيس الحكومة سعد الحريري، الذي لا يتوانى عن التأكيد على عمق العلاقة مع التيار الوطني الحرّ. في أوساط الحريري، ثمّة من يؤكد أن موقفه لم يتغيّر، ولا يمكن فتح علاقات مع النظام السوري من دون اتخاذ هكذا قرار من قبل الجامعة العربية. لكن حسابات باسيل وخطواته مختلفة. ورغم إشاعة هذا الاختلاف بين الرجلين حول الملف السوري، لا يزال البحث عن مخرج لتشكيل الحكومة مستمرّاً، في ظل تضارب المصالح، بين الحريري من جهة، ورئيس الجمهورية وباسيل من جهة ثانية، وحزب الله من جهة ثالثة.
رئيس الجمهورية بدأ الإيحاء باستعداده لاتخاذ خطوات تصعيدية، من شأنها إعادة فرض تشكيل الحكومة. ولذلك، عاد الحديث عن إمكانية توجيه رسالة لمجلس النواب لحشر الحريري، وإجباره على القبول بتشكيل حكومة من 32 وزيراً، في ظل إصرار حزب الله على شروطه، وعدم تنازله عن أي طرح يفيد حلفاءه. بينما رئيس الجمهورية والوزير جبران باسيل، غير مستعدّين لتقديم أي تنازل عن أحد عشر وزيراً، والحريري يرفض التنازل من حصّته. لذلك يتقدم خيار تشكيل الحكومة من 32 وزيراً، مقابل اشتراط الحريري بأن تكون هذه الصيغة لمرّة واحدة وأخيرة، كي لا يتكرّس توزير علوي كعرف.
في مقابل طرح الـ 32 وزيراً، ورفضه من قبل الحريري حتّى الآن، هناك فكرة لدى الوزير باسيل لكنها لم ترق للحريري، وهي تخفيض حصّة القوات إلى ثلاثة وزراء، على أن يتم إيجاد ترتيب طائفي للتبادل الوزاري، ومن ثم منح وزير للسنّة المستقلين. وبذلك لا يكون الحريري قد خسر من حصّته ولا تنازل عن حكومة من 30 وزيراً، ولا يكون عون قد خسر الثلث المعطّل، وحزب الله قد حقق ما يريده لجهة توزير حلفائه، بينما القوات ستكون الخاسر الأكبر من جرّاء هذا الطرح، الذي أيضاً لم يوافق عليه الحريري بعد. وبالتالي، سيكون محشوراً في زاوية من اثنين، إما التنازل من حصّته أو القبول بحكومة من 32 وزيراً.