لم تنقطع خطوط التواصل بين الحريري والوزير جبران باسيل طوال مرحلة الإشكالات في شأن انعقاد القمة الاقتصادية، وقد استُكملت علناً فور اختتامها، لكن «مهلة السماح» لكل الأطراف، على ما يبدو، قد انتهت في ظل كلام كبير يُقال للمرة الأولى في أروقة القصر الجمهوري بأنّ «الفرص ضاقت كثيراً الى حدّ بتنا أمام خيارين إثنين: إما حكومة الآن أو لا حكومة»!
تبلغ أزمة تأليف الحكومة شهرها التاسع بعد غد الخميس. لا مؤشرات ملموسة تشي بحل قريب، فيما «توصية» مساعد وزير الخارجية الاميركي للشؤون السياسية ديفيد هيل لا تزال تفعل فعلها في شأن اهتمام واشنطن بـ»نوعية الحكومة المختارة» وربطها بمسألة الإستقرار، مع تشجيعه «حكومة تصريف الاعمال على المضي قدماً لتجنّب مزيد من الضرر والحفاظ على الثقة الدولية».
الكلام الاميركي، الذي تحصره أوساط مطلعة من ضمن «المتابعة» الأميركية الكلاسيكية لأزمة الحكومة، في اعتبار أنّ تركيزها يتمحور حول إيران في المنطقة، وبالتالي لا يحمل أي نوع من الإملاءات، لا تأثير له عملياً على مستويين: فالزائر الاميركي قصد تمثيل «حزب الله» داخل الحكومة، وهو تمثيل ثابت في العدد والشكل لناحية تولّي وزير من الحزب، للمرة الأولى منذ دخوله الحكومات، حقيبة وزارة الصحة المرتبطة بصناديق دولية مموّلة عدة. أما بالنسبة الى «شرط» «حزب الله» لولادة الحكومة، فجميع من في الداخل مجنّد لحلّه!
وفي ما يتعلق بتشجيع هيل على تفعيل حكومة تصريف الاعمال، فلن يغيّر في واقع أنّ حماسة رئيس مجلس النواب نبيه بري لعقد جلسات حصراً لإقرار مشروع الموازنة العامة للدولة لسنة 2019 تمهيداً لإحالتها الى مجلس النواب، وتجاوب الحريري مع «تمني» عين التينة، يقابلهما «فيتو» واضح من رئيس الجمهورية على انعقاد الحكومة، حتى لو حُصر جدول الأعمال ببند الموازنة فقط.
لكن متابعين لجولة هيل الأخيرة يجزمون بأنّ «كلامه كان واضحاً أمام عون بأنّ «تركيبة» الحكومة تعني كثيراً لواشنطن، وأنّ انتصار منطق «حزب الله» في تأليفها سيدفع الولايات المتحدة الاميركية الى التشدّد في فرض العقوبات على لبنان وحلفاء «حزب الله»، خصوصاً أنّ هؤلاء يجزمون بأنّ الإدارة الاميركية الجديدة لم تعد تتعاطى بجدية مع منطق الفصل بين الحكومة والحزب، على رغم دعمها المستمر والثابت للمؤسسات العسكرية والأمنية والمؤسسات المالية».
على خط آخر، بدا واضحاً أنّ الفريق المحيط بعون وباسيل لا يزال يراهن على إقناع الحريري باقتراح حكومة من 32 وزيراً، لكن الحريري وفق المعطيات يتمسّك برفضه رفع عدد أعضاء الحكومة لأكثر من اعتبار، إن ربطاً بـ «صورة» الحكومة الموسّعة أمام استحقاقات مؤتمر «سيدر»، أو تجنّباً لتكريس عرف توزير علوي.
مع ذلك، ومن ضمن المقترحات القديمة- الجديدة، أعاد باسيل طرح فكرة حكومة الـ 32، لكن على أساس إضافة وزيرين سنّي (وليس علوياً) يجيّر بالكامل لـ «اللقاء التشاوري»، واستطراداً لفريق 8 آذار، ووزير للأقليات من حصّة رئيس الجمهورية. وهو اقتراح قابل للنقاش لدى الحريري، إذ يرفع عدد السنّة في الحكومة الى 7، ويؤيّده عون، خصوصاً أنه يرفع حصّته مع باسيل الى 12 وزيراً، لكن يلقى معارضة من الشيعة.
وتفيد المعطيات أيضاً في هذا السياق، انّ إقتراح تسوية قضى في حال اعتماد الـ32 وزيراً، بتجيير العلوي للرئيس نجيب ميقاتي، بحيث يبقى الوزير السنّي الذي تمّ الإتفاق عليه سابقاً بين الحريري وميقاتي، وهو عادل أفيوني، من حصّة الحريري حصراً، إضافة الى العلوي المحسوب على ميقاتي. وعندها يسمّى الوزير المسيحي الإضافي (الأقليات) من حصّة رئيس الجمهورية، ما يبقي الـ11 وزيراً بيد عون وباسيل، ويجيّر السنّي الذي كان من حصّة عون الى «اللقاء التشاوري»، لكن هذه المبادلة لم تحظ بالتوافق المطلوب عليها.
ومع ترويج باسيل لوجود مجموعة مقترحات أمام الحريري ينبغي عليه اختيار واحد منها، وأنه «موافق على أكثر من فكرة»، فإن الحريري، وفق المعطيات، يتعاطى على أساس أنّ كافة المقترحات التي قُدّمت له أخيراً «قديمة ومعروفة ورَفَضَها وتمّ إبلاغ المعنيين بذلك منذ ثلاثة أسابيع»، بإستثناء تشكيلة حكومية من سبعة وزراء سنة «القابلة للدرس»!