طوى لبنان الرسمي، مساء أمس، آخر أوراق القمة الاقتصادية، بكل ما أثارته من غبار سياسي داخلي، وتحديات خارجية وإقليمية، ويعود مع صباح اليوم إلى الملف الذي تحوّل أزمة مزمنة: تأليف الحكومة العتيدة!
مع بداية الشهر التاسع للفراغ الحكومي، ومع اشتداد الضغوط الاقتصادية والمالية والمعيشية، لم يعد ثمة مجال لترف الخلافات الأنانية والفئوية التي تؤخر الولادة الحكومية، بل لم يعد مقبولاً لأي طرف سياسي أن يستمر في مناورات الكرّ والفرّ، في سبيل حقيبة من هنا، أو مقعد وزاري بالزائد من هناك، لأن الأمور أصبحت مفضوحة، ومواقف الفرقاء الأساسيين أصبحت معروفة، وبالتالي ما لم يتحقق في ثمانية أشهر، من الصعب، بل من الاستحالة بمكان، أن تقبل به القوى السياسية والحزبية التي عارضته طوال تلك الفترة الطويلة!
وبكلمات أكثر صراحة: إن استمرار الرهان على الثلث المعطل من قبل الوزير جبران باسيل، لم يعد مضيعة للوقت وحسب، بل وصل إلى حافة النحر السياسي للعهد بكامله، لأن هذا الموقف المعارض لحصول طرف سياسي منفرداً على الثلث المعطل، لم يعد مقتصراً على خصوم التيار الوطني ومنافسيه السياسيين، بل يشمل اليوم أقرب «الحلفاء»، حزب الله الذي أبلغ من يعنيهم الأمر بهذا الموقف بعيداً عن الضجيج الإعلامي، وبأسلوب غير قابل للنقاش!
والحزب الذي عطّل الانتخابات الرئاسية سنتين ونصف السنة، لإيصال حليفه إلى سدّة الرئاسة الأولى، لا يرى حرجاً بتعطيل تشكيل الحكومة أشهراً أخرى، أو سنوات، ليحول دون إفلات دفة إدارة الأمور من يديه، و«التنازل» عن ورقة الفيتو لغيره، حتى ولو كان حليفاً، على اعتبار أن لا تحالفات دائمة في بلد مثل لبنان، بل مصالح دائمة، خاصة في ظل التطورات المرتقبة في المنطقة.
من المفترض أن يؤدي هذا الواقع إلى نقل الملف الحكومي باتجاه موقع أكثر تقدماً على طريق التظهير السريع، حيث يتم التداول بفكرة إعادة تعويم الحكومة المستقيلة بصيغة دستورية، مع إمكانية إجراء تعديلات محدودة في بعض الأسماء التي ترغب كتلها باستبدالها بشخصيات جديدة.
قد يعتبر البعض أن هذه الفكرة التي طرحت إبان زيارة الموفد الأميركي دايفيد هيل الأخيرة، تؤكد عجز الطبقة السياسية الحالية عن تجديد السلطة وترجمة نتائج الانتخابات الأخيرة في تشكيلة الحكومة العتيدة. ولكن ثمة من يعتقد أن «الكحل أفضل من العمى»، وأن وجود حكومة، ولو مُستهلَكة في قدرتها، ومطعون في سمعة العديد من وزرائها، يبقى أفضل من عدم وجود حكومة، وأكثر فعالية من حكومة تصريف الأعمال!
ولكن العقلاء من فريق رئيس الجمهورية يفضلون وجود حكومة جديدة، ولو بدون ثلث معطل، على اعتبار أن تعويم الحكومة الحالية، بما فيها وما عليها، هو بمثابة إفلاس سياسي لكل الأطراف، بمن فيهم فريق الرئيس أيضاً. فضلاً عن أن مثل هذه الخطوة لا تعزز ثقة الخارج بالإدارة اللبنانية الحالية، خاصة بعد فشل الحكومة المستقيلة في تحقيق أي خطوة إصلاحية جدية، بعدما حاصرتها شبهة الفساد في أكثر من مشروع، لا سيما بواخر الكهرباء التركية، ومشاريع معالجة النفايات.
ويرى أصحاب هذا الرأي أن العهد بحاجة لصدمة إيجابية، تستعيد زخم الداخل، وتتجاوز تداعيات الخلافات والاهتزازات التي حصلت بين أقطاب السلطة (رئيسي الجمهورية ومجلس النواب)، وتساعد على تسهيل الحصول على الدعم الخارجي، وتنفيذ قرارات مؤتمر سيدر، المهددة بالضياع من لبنان، بسبب التأخير الحاصل في تأليف الحكومة، وعدم تنفيذ الخطوات الإصلاحية التي تعهد بها لبنان في المؤتمر.
تأجيل سفر الرئيس المكلف سعد الحريري إلى منتدى دافوس السويسري يوحي بأن الوضع الحكومي وُضع على نار حامية، وتشكيلة الحكومة العتيدة قيد الحسم: تأليفاً أو تعويماً!
فهل نشهد ولادة طبيعية للحكومة الجديدة بعد تسعة أشهر من الحمل الثقيل على البلاد والعباد؟