السماحة بما تعنيه كمصطلح يجب أن تنم عن سعة في الصدر وعلو في الأخلاق ورحمة في التعامل مع الآخر، بما تنطبق عليه مفاهيم الإسلام، وبناءً على ذلك انطلقت أعظم دعوة في التاريخ تحت قوله تعالى : "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين"
وهذه هي الرسالة التي أرادها الله لبناء الأمة والمجتمع، وهذه هي وظيفة رجل الدين لا سيما عندما يعتبر نفسه ناطقا باسم الله والشريعة، وبالأخص عندما يصف نفسه بصاحب السماحة ويطلق عليه آخرون لقب "العلامة" .
يغيب عن كثيرين أن رجل الدين إنما يتحدث كمؤتمن على الرسالة، وكمسؤول عن بث التعاليم الصحيحة بما ينسجم مع الدين ورسالته في الأخلاق والتسامح وفهم الآخر فينطبق عليه بحق لقب صاحب "السماحة"
أما ما يروج له البعض تحت مسمى رجل الدين، وباستخدام منابر الدين من افكار ومفاهيم وربما فتاوى، فهي تسيء إلى الدين ومفاهيمه أكثر لا سيما عندما تكون وجهتها لمصالح نفعية دنيوية أو حزبية أو سياسية.
وهذا ما يذهب إليه بعض رجال الدين في زمن أصبحت العمائم ليست سوى أمتار من القماش تشترى من الأسواق بعيدا عن الصروح العملية المتخصصة التي عرفناها على مدى عقود من الزمن والتي كانت تعطي الشهادات المسبقة وتحدد الضوابط المطلوبة لأي رجل دين.
منذ أيام تداول ناشطو مواقع التواصل الاجتماعي، شريط فيديو "لسماحة العلامة" السيد عبد الله فضل الله، يحرّم فيه التعامل مع غير مجتمع المقاومة.
اقرا ايضا : بعلبك بين سموم الأحزاب وسموم النفايات !
واستشهد العلامة بعدد من الشواهد الدينية، كـ”الأقربون أولى بالمعروف”، “وتعاونوا على البر بالتقوى”.
وتوقف السيد عند الفقر والعوز الذي وصله إليه المجتمع الشيعي وتشتت القدرة المالية.
لا شك أن إصدار الفتاوى هو من اختصاص ذوي العلم والخبرة من العلماء والمراجع على أن أي فتوى يسبقها الكثير من الدراسة والتدقيق في الاصول والفروع الدينية ما يؤهلها لتصبح فتوى أو حكما شرعيا يجب التقيد به، وأما أن يصار إلى إطلاق الفتاوى خدمة لمشاريع سياسية أو نظريات غير مدروسة فذلك سيؤدي إلى المزيد من التشرذم لا سيما أن فتوى السيد هنا بتحريم التعامل مع غير مجتمع المقاومة لن تعود إلا بمزيد من الخسائر من جهة وبمزيد من التقوقع والإنغلاق على مجتمع المقاومة نفسه، مع ما يرتبه ذلك من سلبيات كبيرة اجتماعية واقتصادية وربما سياسية.
مجتمع المقاومة لا يمكن ان يبقى ويستمر دون محيطه من المجتمعات الأخرى، ولا يمكن أن نحفظه بمثل هذه الفتاوى التي اتعبتنا وأتعبت المقاومة وأهلها، المقاومة التي كبرت وانتصرت بمجتمعها اللبناني كله وبمجتمعها العربي كله .
الحفاظ على مجتمع المقاومة لن يكون بإفراغه من مضمونه وامتداده الشعبي والوطني حتى على المستوى الاقتصادي والمعيشي .
إن الاستمرار بهذا الخطاب خطاب العزل والاقصاء هو مقتل المقاومة وشعب المقاومة ومجتمع المقاومة.
ما زلنا بحاجة كبيرة لخطاب الوعي والسماحة، لخطاب الإنصهار الوطني، لخطاب الدولة والهوية، الخطاب الذي يجمع ولا يفرق.
وهنا تكم مسؤولية الخطاب الواعي والحكيم والهادف والمسؤول.