تحلّ الذكرى السنوية الثالثة لـ”تفاهم معراب” ثقيلة على التيار الوطني والقوات اللبنانية معا، فالطرفان يصران على التمسك شكلا بالتفاهم، ويمارسان في المضمون بحق بعضهما البعض شتى أنواع “النكد السياسي”، من إنتقادات وإتهامات ومواجهات وتبادل شتائم على مستوى القاعدتين الشعبيتين على مواقع التواصل الاجتماعي، بما يجعل شعار: “أوعا خيك” الذي كان عنوان هذا التفاهم، خاليا من مضمونه أو ربما مجرد حبرا على ورق.
يوما بعد يوم تزداد المسافة بين الوزير جبران باسيل، وبين التيارات المسيحية ومنها القوات، ولعل لقاء بكركي الوجداني الماروني، كان أكبر دليل، حيث وجد باسيل نفسه أمام جبهة مسيحية عريضة ترفض حصوله مع رئيس الجمهورية على الثلث المعطل في الحكومة، كما وجد حليف التفاهم القوات اللبنانية يقف الى جانب تيار المردة في الطرح الذي قدمه رئيسه سليمان فرنجية وما تزال تداعياته قائمة بالرغم من مرور أربعة أيام على اللقاء.
جاء التعاطي مع الذكرى السنوية الثالثة لـ”تفاهم معراب” باردا جدا، حيث تم الاكتفاء بتبادل التغريدات عبر تويتر وعبرها الرسائل السياسية، حيث لم تغر المناسبة الطرفين لعقد لقاء يصار فيه الى إعادة تقييم هذا التفاهم وتنقيته ورأب الصدع فيه، بل عمل كل منهما على محاكاته بالطريقة التي يراها مناسبة، حيث وضع سمير جعجع بالمناسبة على حسابه على “تويتر” صورته مع الرئيس ميشال عون وعرابيّ التفاهم إبراهيم كنعان وملحم رياشي، وعمل على تغييب باسيل الذي كتب بدوره تغريدة وجدانية إعتبر فيها أن “ما أنجزناه مع القوات اللبنانية هو أهم من كل الاتفاقات، ويبقى أن التنافس الديمقراطي لازم، ولازم أن يقوينا لا أن يضعفنا”.
وعلى قاعدة “أسمع كلامك أصدقك أشوف أمورك إستعجب”، تعاطت القوات اللبنانية مع هذه التغريدة، بعدما حصّنت نفسها بمصالحة مسيحية إضافية وتاريخية مع تيار المردة، ويبدو أنها ماضية في التطور وفي التماسك في ظل التناغم القائم بين الطرفين والصراحة والوضوح في التعاطي السياسي وفي التفاهم على بعض المواقف وفي الخلاف عليها.
لم يعد يختلف إثنان على أن تفاهم معراب كان عبارة عن إتفاق مصلحة، فالتيار الوطني الحر كان يريد مباركة وموافقة القوات لايصال العماد ميشال عون الى رئاسة الجمهورية، والقوات وجدت فيه بداية قطعا للطريق على خصمها التاريخي سليمان فرنجية في الوصول الى قصر بعبدا، كما غرّتها الشراكة في الحكم وتقاسم المغانم والحصص والمقاعد الوزارية مع التيار الوطني الحر وصولا الى وراثته سياسيا وتتويج جعجع زعيما من دون منازع على الساحة المسيحية.
إكتشف جعجع سريعا أن ثمة “عداوة كار” تحول دون التقارب بينه وبين جبران باسيل الذي لم يتأخر في كشف طموحاته الرئاسية خلفا لعمه الرئيس عون، وفي إظهار نفسه مندوبا رئاسيا ووصيا على تفاهم معراب وعلى القوات التي كان يريد منها باسيل أن تصدّق على كل ما يقوم به التيار الوطني الحر داخل الحكومة وخارجها تحت شعار دعم العهد القوي، الأمر الذي أثار حفيظة القوات التي رفضت أن يكبلها التفاهم ويجعلها ملحقة بالتيار الوطني الحر أو شاهدة زور على أعماله، فسارعت الى التموضع السياسي والتعاطي باستقلالية مطلقة خصوصا ضمن الحكومة.
هذا التموضع أزعج باسيل الذي إتهم القوات بأنها تسعى الى ضرب وإضعاف العهد، في حين إعتبرت القوات أن باسيل يخوض حرب إلغاء سياسية ضدها ترجمت بوضوح بعد تكليف الرئيس سعد الحريري تشكيل الحكومة بما عرف بالعقدة المسيحية، وصولا الى معركة الثلث الضامن التي يخوضها باسيل في وجه كل التيارات المسيحية الأخرى.
يقول مطلعون على أجواء التيار والقوات: إن تفاهم معراب بعد ثلاث سنوات على توقيعه ومن ثم خنقه بالخلافات والصراعات، أصيب بموت سريري، وهو بات مجرد ديكور يلجأ إليه الطرفان عندما تدعو الحاجة السياسية، فيما الانتقادات والاتهامات تتنامى بينهما، والكراهية تكبر بين أنصارهما، ولعل الفيديو القواتي المسيء الى باسيل بعد إنتخابات مجلس طلاب جامعة الحكمة يقدم دليلا واضحا عن الدرك الذي وصل إليه هذا التفاهم الذي بحسب المطلعين لم يبق منه شيئا.