توقفت مراجع عسكرية وديبلوماسية عند رد الفعل الأميركي الإستثنائي فور وقوع العملية التي استهدفت مطعماً يرتاده العسكريون الأميركيون والمتعاقدون معهم في مدينة منبج الكردية السورية، وذلك على مستوى القيادة الأميركية المركزية في واشنطن وقيادة التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة والتي تتّخذ من بغداد مقرّاً لها. فهي المرة الأولى التي تُستهدف فيها هذه القوات في منبج التي تعيش في مرحلة استثنائية سياسياً وعسكرياً فهي قبلة مختلف الأطراف الطامعة بالسيطرة عليها فور الإنسحاب الأميركي منها.
وعليه فقد أُعطيت العملية أبعاداً عسكرية وامنية وديبلوماسية يمكن الإشارة اليها بالملاحظات الآتية:
- عدا عن كونها المرة الأولى التي تُستهدف فيها القوات الأميركية مباشرة في مدينة تقع في منطقة حساسة تتوزع فيها السيطرة ما بين الأكراد في إدارتها المدنية والمحلية وتحت سيطرة القوة المشتركة الأميركية - التركية عقب التفاهم الذي قاد الى إنهاء عملية «درع الفرات» التركية والذي جعل المدينة في وضع استثنائي جداً كونها ما زالت خارج السيطرة التركية على رغم وقوعها غرب نهر الفرات.
- وقع الإنفجار بعد أيام قليلة من قرار الرئيس الأميركي بالإنسحاب من سوريا وبداية الحديث عن القوة البديلة التي ستغطّي الإنسحاب من منبج ومحيطها، بعد التفاهمات التي بدأت واشنطن بنسجها مع الأطراف التي تنشر قواتها في محيط هذه المدينة في ظلّ وجود شرط اميركي وحيد هو إبعاد قوات الجيش السوري النظامي من المنطقة ومنعها الدخول الى المدينة رغم مساعي «قوات سوريا الديموقراطية» (قسد) التي تفاوض مع النظام السوري لتسليمه أمن المدينة من الخارج، على أن تبقى لها السيطرة الإدارية اليومية الداخلية عليها.
- تريّث القيادة الأميركية في توجيه الإتهام الى الجهة المنفّذة للعملية. فإلى عدم الأخذ نهائياً بمضمون إعلان تنظيم «داعش» مسؤوليته عن العملية في انتظار التحقيقات الجارية، فقد رفضت ما اورده بعض وسائل الإعلام الأميركية من اتّهام مباشر للمخابرات التركية بالوقوف خلف العملية منذ اللحظة الأولى على خلفية الموقف التركي المتصلّب من ضرورة السيطرة على المدينة بكاملها تحقيقاً للفصل الأخير من عملية «درع الفرات» التي توقفت عند حدودها. كذلك على خلفية الرفض التركي لمضمون «الإنذار التويتري» الذي وجّهه ترامب الى نظيره التركي رجب الطيب اردوغان إن تجرّأ الإعتداء على المناطق التي تسيطر عليها القوات الكردية وتحظى بحماية اميركية بمعزل عن إبقاء واشنطن قواتها في المنطقة أو سحبها منها.
- بروز معلومات تفيد أنّ الإدارة الأميركية تُحمّل النظام السوري مسؤولية العملية بعد اكتشاف مجموعات تدين بالولاء له تسلّلت الى المدينة قبل ايام من الانتشار الذي نفّذته قوات الجيش السوري في محيط منبج من الجانبين الجنوبي والغربي للمدينة، إثر إعلان ترامب النية بسحب القوات الأميركية منها، وهو ما أعلنته قيادة الجيش السوري في بلاغ عسكري قالت فيه إنها دخلت منبج ورفعت العلم السوري في وسطها، وهذا ما نفته القوات الأميركية والجانب التركي بعد ساعات من هذا البلاغ.
والى هذه الملاحظات التي أشارت اليها تقارير امنية وعسكرية استخبارية فقد كشفت تقارير أخرى أنّ القيادة الأميركية قرأت التفجير في منبج منذ لحظة وقوعه على أنه اعتداء مباشر من «داعش» أو النظام السوري ولا خيار ثالثاً امامها. وعلى هذا الأساس تبلّغت البوارج الأميركية المنتشرة في البحر المتوسط والخليج العربي أمراً بالإستنفار استعداداً لعملية عسكرية محتملة في مناطق يسيطر عليها النظام السوري، وتردّد في حينه أنّ دمشق ستكون المستهدَفة.
وعليه لا تستبعد المراجع العليمة بكثير ممّا يجري في سوريا والمنطقة أن تبادر القوات الأميركية الى ردّ وُصف بأنه سيكون «صاعقاً وقاسياً» بالإستناد الى توصيفها العملية التي قالت إنها «قوية ومدوية»، وهو ما يضع المنطقة امام استحقاق من نوع آخر. فهل تنفّذ القوات الأميركية عمليةً من هذا النوع؟ وماذا سيكون ردّ فعل الروسي عليها وهو الذي أبلغ الجانبين الإسرائيلي والأميركي أنّ القوات السورية النظامية هي المؤهّلة للانتشار بدل القوات الأميركية في المناطق التي ستُخليها. بالإضافة الى انّ كل العمليات التي تقوم بها قوات الطرفين وطائراتهما لها ما يبرّرها إلّا تلك التي يمكن أن تطاول القوات الروسية والسورية النظامية فلها من موسكو كل الرعاية أيّاً كانت الأثمان العسكرية والسياسية والدبلوماسية.
عند هذه التوقعات تستطرد المراجع العسكرية والديبلوماسية في القول «إنّ عملية منبج لن تمرّ كبقية العمليات التقليدية التي تتوقعها الجيوش التقليدية، فهي عملية قاسية وموجعة في شكلها ومضمونها وتوقيتها وبكل المعايير الأميركية. فالرئيس الأميركي تنتظره استحقاقات داخلية باهظة الثمن يحاول تجاوزُها بتوجهاته الجديدة في سوريا والمنطقة والعالم للتغلب عليها واستعادة ما فقده من ثقة الأميركيين الداخلية بعد النهضة الإقتصادية التي حققها وتراجع معدل البطالىة الى 3%».
وتختم المراجع أنّ ما أراده ترامب سيتحقق من خلال العقوبات الاقتصادية والمالية الدولية التي فرضها على ايران وحلفائها والصين وكوريا الشمالية وتلك التي طاولت عدداً من الدول الحليفة لواشنطن كألمانيا وكندا ودول أخرى، وكذلك من خلال قراراته الإقتصادية والمالية الداخلية وقراراته العسكرية في سوريا، ما يشكّل دعوةً واضحةً الى ترقّب الآتي من الإجراءات الأميركية الرادعة التي لن يطول انتظارُها للكشف عنها.