ذكرت أوساط سياسية إسرائيلية أن الإدارة الأميركية أجرت تحسينات على النص الأولي لخطة السلام في الشرق الأوسط، تتضمن «تعديلات تتيح للعرب الموافقة على التفاوض بشأنها»، وأن الأميركيين يعتبرون هذه التعديلات «ضرورية لأجل التوازن»، لكن الإسرائيليين يرون أنها تصب في صالح الفلسطينيين.
ومع أن المبعوث الرئاسي الأميركي لعملية السلام، جيسي غرينبلات، قال إن هذا النشر غير دقيق، فإن المصادر الإسرائيلية ردت بأنها اعتمدت على «مسؤول أميركي كبير في طاقم المفاوضات في البيت الأبيض»، وأن «هناك جهات أميركية معنية بالتعتيم على الخطة عشية الانتخابات الإسرائيلية، لكن عناصر أخرى في الإدارة تتبنى موقفاً مخالفاً، وترى أن «تسريبها في خضم معركة الانتخابات الإسرائيلية ستجعلها موضع نقاش أساسي في هذه المعركة حتى لا يستطيع أي مرشح تجاهلها، ولا يدلي بالتزامات تتناقض معها، وتجعل إسرائيل في مواجهة مع إدارة الرئيس دونالد ترمب، أكبر حليف لإسرائيل في تاريخ الولايات المتحدة».
وكانت المصادر الإسرائيلية قد خصت قناة «ريشت»، التلفزيونية الإسرائيلية، بالسبق الصحافي حول هذه التعديلات. وفي تقرير لها، الليلة قبل الماضية، كشفت أن مضمون الخطة الأميركية المعدل صيغ على أوراق تحت عنوان: «صفقة القرن لترسيخ السلام في الشرق الأوسط»، وهي تتحدث عن إقامة دولة فلسطينية على 85 في المائة - 90 في المائة من أراضي الضفة الغربية المحتلة، على أن تشكل القدس الشرقية، بأحيائها العربية، عاصمة للدولة الفلسطينية، باستثناء البلدة القديمة في المدينة، حيث يقع المسجد الأقصى المبارك وكنيسة القيادة وسائر الأماكن المقدسة، وكذلك المناطق المجاورة لها خارج الأسوار، مثل سلوان وجبل الزيتون، التي تنص الصفقة الأميركية على إبقائها تحت السيطرة الإسرائيلية، ولكن مع إدارة مشتركة للأردن والدولة الفلسطينية.
- ثلاث فئات من المستوطنات
ويشير التقرير إلى حل لقضية المستوطنات مبني على تقسيمها إلى ثلاث فئات: الأولى، تشمل الكتل الكبيرة منها، مثل «غوش عتصيون» (القائمة على أراضٍ فلسطينية محتلة تمتد من بيت لحم حتى الخليل)، و«معاليه أدوميم» (جنوب القدس الشرقية المحتلة)، و«أريئيل» (في منطقة نابلس)، وسيتم ضمها لإسرائيل بالكامل، وفق الصفقة الأميركية. والثانية، تضم عدداً من المستوطنات النائية، مثل «إيتمار» و«يتسهار» (وهما تضمان مجموعة من المستوطنين من أصول أميركية معروفين بتطرفهم وباعتداءاتهم على الفلسطينيين)، وهي أيضاً تبقى مكانها وتخضع للسيادة الإسرائيلية، مع أنها تكون ضمن نفوذ الدولة الفلسطينية. والفئة الثالثة من المستوطنات، التي تشمل البؤر الاستيطانية غير القانونية، وفقاً للقانون الإسرائيلي، سيتم إخلاؤها. وفي مقابل ضم المستوطنات، يتم تعويض الفلسطينيين بضم أراضٍ بالحجم نفسه والقيمة نفسها من أراضي منطقة المثلث، التي يسكنها مواطنون عرب (فلسطينيو 48)، المجاورة للضفة الغربية.
ويلاحظ التقرير أن المسؤول الأميركي لم يتطرق إلى بنود في الخطة الأميركية تتعلق بقطاع غزة وقضية اللاجئين، ولم يفسر ما إذا كانت الخطة نفسها تتجاهل الموضوعين، أم أنه لم ينتبه إلى الحديث عنهما.
وقال المسؤول الأميركي لسامعيه، وكان بينهم إسرائيليون، إنه يتوقع رفضاً فلسطينياً لهذه الصفقة، ولكنه يريد أن يسمع رأياً مغايراً من الإسرائيليين. وقد أوحى أن الموافقة الإسرائيلية على الصفقة مقابل الرفض الفلسطيني سيوجد معادلة جديدة في المنطقة تتيح للإدارة الأميركية تبرير دعمها لإسرائيل، وممارسة ضغوط على الدول العربية حتى تمارس بدورها ضغوطاً على الفلسطينيين، ولا تعود هناك عوائق عربية أمام تطبيع العلاقات مع إسرائيل.
المعروف أن الرئيس الأميركي أراد نشر خطة السلام خلال الأسابيع الماضية، إلا أن مقربيه نصحوه بالانتظار حتى الانتهاء من انتخابات الكنيست (البرلمان الإسرائيلي)، المقررة في التاسع من شهر أبريل (نيسان) المقبل. ومع ذلك، فإن أوساطاً في البيت الأبيض أبدت رغبة في طرح مبادئ الخطة الأساسية خلال المعركة الانتخابية، حتى يضطر السياسيون الإسرائيليون إلى التعامل معها، والتطرق إليها في لقاءاتهم مع الجمهور، وصياغة موقف إيجابي منها من الآن، لأن رفض إسرائيل لها سيشكل صفعة للرئيس ترمب الذي يعتبر الرئيس الأميركي الأكثر مساندة لإسرائيل.
وقد رد المبعوث جيسون غرينبلات، أحد مهندسي الخطة الرئيسيين، بالإضافة إلى جاريد كوشنر صهر الرئيس الأميركي وكبير مستشاريه، على هذا النشر الإسرائيلي، في رسالة على موقع «تويتر»، فلم ينف مضمونها، لكنه قال إنه «تقرير غير دقيق»، من دون أن يحدد أي جزء يفتقر إلى الدقة فيه. وكتب يقول: «التكهنات بشأن محتوى الخطة لا تفيد. قلة على الكوكب تعرف ما تنطوي عليه في الوقت الحالي»، وأضاف: «نشر أخبار كاذبة أو مشوهة أو منحازة في وسائل الإعلام هو تصرف غير مسؤول يضر بالعملية».
والمسؤول الإسرائيلي الذي وافق على التطرق لهذا النشر كان داني دانون، السفير الدائم في الأمم المتحدة، الذي قال للصحافيين الذين سألوه إن كانت هناك تفاهمات مع واشنطن إنه لن يتم الكشف عن خطة ترمب قبل الانتخابات الإسرائيلية. واعتبر دانون هذا النشر غير رسمي، وقال: «ما نفهمه أنها لن تطرح قبل الانتخابات. إنه قرار ذكي لأننا لا نريد أن تصبح هذه قضية الانتخابات».
من جهته، قال الناطق الرسمي باسم الرئاسة نبيل أبو ردينة تعقيبا على التسريبات الإسرائيلية، إن «أي خطة سلام لا تتضمن إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها كامل القدس الشرقية على حدود عام 1967، سيكون مصيرها الفشل».
وأضاف أن «استمرار بث الإشاعات والتسريبات حول ما تسمى (ملامح صفقة العصر) التي تتحدث عنها الإدارة الأميركية، إضافة إلى الاستمرار في محاولة إيجاد أطراف إقليمية ودولية تتعاون مع بنود هذه الخطة، هي محاولات فاشلة ستصل إلى طريق مسدود، لأن العنوان لتحقيق السلام العادل والدائم هو القيادة الفلسطينية التي تؤكد أن أي طروحات تتعلق بالمسيرة السياسية، يجب أن تكون على أساس الشرعية الدولية ومبدأ حل الدولتين لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية».
وشدد أبو ردينة على أن طريق تحقيق السلام في المنطقة واضح «يمر من خلال الشرعية الفلسطينية، وأي مشاريع تهدف للالتفاف على آمال وتطلعات الشعب الفلسطيني بالحرية والاستقلال، لن يكتب لها النجاح وستنتهي، وسينتصر شعبنا مهما كان حجم هذه المؤامرات والتحديات على قضيتنا وثوابتنا الوطنية».
وأكد تيسير خالد، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، أن المنظمة «لا يمكن أن تكون طرفا في تسوية سياسية للصراع الفلسطيني - الإسرائيلي لا توفر ضمانات كافية لإقامة دولة فلسطينية كاملة السيادة على جميع الأراضي الفلسطينية المحتلة بعدوان 1967، بما فيها القدس الشرقية، باعتبارها العاصمة الأبدية لشعب ودولة فلسطين، ولا توفر كذلك ضمانات كافية لحل يقوم على احترام قرارات الشرعية الدولية ويصون حقوق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم التي هجروا منها بالقوة العسكرية».
وأضاف أن التسريبات التي نشرت مؤخرا حول ما تسمى «صفقة القرن»... «تفضح جوهر التواطؤ بين الإدارة الأميركية وحكومة إسرائيل في كثير من تفاصيلها، كالادعاء بأن الصفقة تدعو إلى إقامة دولة فلسطينية على 90 في المائة من أراضي الضفة الغربية، وتقع في الوقت نفسه في التناقض وهي تشير إلى أن الدولة الفلسطينية سوف تقوم على ضعف مساحة سيطرة السلطة الفلسطينية حاليا، الأمر الذي يختصر تلك المساحة إلى 60 في المائة من مساحة الضفة الغربية بعد استبعاد القدس الشرقية ومحيطها، واستبعاد ليس فقط الكتل الاستيطانية؛ بل وحتى المستوطنات، التي تسميها معزولة، مثل إيتمار ويتسهار وغيرهما من المستوطنات التي تحتضن منظمات الإرهاب اليهودي في الضفة الغربية».