يستمر التمثيل العربي في القمة العربية التنموية الاقتصادية والاجتماعية التي ستنعقد غدا وبعد غد في بيروت، بالتقهقر مع توالي الاعتذارات من الحكام العرب عن المشاركة، حيث لم يبق حتى الآن سوى رئيسين أكدا حضورهما هما موريتانيا والصومال، أما الدول العشرين الأخرى فسيتراوح تمثيلها بين رئيس حكومة ووزير ونائب وزير وصولا الى درجة مندوب. هذا الضعف في التمثيل يشير (بحسب متابعين) الى أن القمة قد حُكم عليها بالفشل حتى قبل أن تبدأ، وأن لبنان الذي نجح في التنظيم وفق رأي أمين عام جامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، قد فشل في إعداد الأرضية اللازمة التي تشجع الرؤساء والملوك العرب على المشاركة في قمة بيروت تمهيدا لانجاحها.
هذا الواقع يؤكد بما لا يقبل الشك، أن لبنان هو عبارة عن ″وعاء مثقوب″، يُهدر الفرص الواحدة تلو الأخرى، وكل ما يوضع فيه، من باريس1 مرورا بمؤتمر ″سيدر″ الذي ينتظر إصلاحات من حكومة لم تولد بعد، وصولا الى القمة العربية التي يبدو أن مفاعيلها قد ذهبت أدراج الرياح قبل أن تنعقد.
لا شك في أن ″اللامبالاة″ الرسمية العربية تجاه قمة بيروت الاقتصادية توحي بأن لبنان لم يعد أولوية عربية، فالعرب الذين كانوا يتنافسون على حل الأزمات اللبنانية وعلى تأمين إستقراره السياسي والأمني والاقتصادي، بات لكل منهم أزمته الداخلية الخاصة، فضلا عن الأزمات المشتركة والصراعات المتنامية بين الأشقاء وفرض حصار من هنا ومقاطعة من هناك.
لذلك، يبدو أن القمة والحضور العربي فيها سيكون فقط من باب “رفع العتب”، نظرا لقناعة أكثرية العرب بأنها ″لزوم ما لا يلزم″ في ظل عدم وجود توافق لبناني بالأساس حول القمة والمشاركين فيها، وعدم مبادرة لبنان الى تقديم ورقة متكاملة أقله بما يتعلق بقضية النازحين السوريين تمهيدا لعودتهم الى المناطق الآمنة في بلدهم، والدور الذي يمكن أن يلعبه في إعادة إعمار سوريا، والمكاسب التي يمكن أن يجنيها، في ظل عدم تشكيل حكومة، ووجود حكومة تصريف أعمال لا تملك الشرعية للالتزام بما يمكن أن يصدر من توصيات ومقررات عن القمة العربية..
كثيرة هي الأسباب التي أدت الى عدم مشاركة الحكام العرب في قمة بيروت، وقيامهم بتخفيض مستوى تمثيلهم فيها، لجهة:
أولا: عدم تشكيل حكومة لبنانية قادرة على أن تجعل من القمة العربية إمتدادا لمؤتمر “سيدر” بما يصب في مصلحة لبنان الاقتصادية والاجتماعية.
ثانيا: التجاذبات السياسية والخلافات بين الرئاسات الأولى والثانية من جهة، والثانية والثالثة من جهة أخرى، والصراعات بين التيارات التي تلعب على فوهة بركان قد ينفجر في أي لحظة.
ثالثا: غياب الموقف اللبناني الموحد حيال القمة، ودعوة أطراف على تأجيلها مقابل إصرار أطراف أخرى على تنظيمها.
رابعا: الخلاف بين اللبنانيين على مشاركة سوريا في القمة، ومن ثم على مشاركة ليبيا على خلفية قضية الامام المغيب موسى الصدر.
خامسا: الصورة السلبية والقاتمة التي أعطتها التحركات الشعبية رفضا لمشاركة ليبيا في القمة، وإحراق علمها ورفع مكانه علم “حركة أمل”، ومنع رجال أعمال ليبيين من دخول لبنان بعد وصولهم الى مطار رفيق الحريري الدولي تحت شعار الحفاظ على أمن البلد.
يقول أحد المطلعين: “عندما تقوم أي عائلة باستضافة شخصية مهمة في منزلها، فإنها تحرص على إظهاره بأبهى حلة، وأجمل صورة، كما تسعى الى أن توفر للضيف الزائر كل وسائل الراحة والأمن الاطمئنان، لكن العائلة اللبنانية التي كانت تستعد لاستضافة الحكام والقادة العرب لم تظهر لهم سوى خلافاتها السياسية وصراعاتها، وعدم الاستقرار الأمني، فضلا عن إظهار عجز الدولة عن مواجهة أي تحرك قد يحصل في الشارع، الأمر الذي جعل كثير من حكام العرب ينظرون الى لبنان ودولته بعين الريبة وأن يكون لديهم هواجس كثيرة وعدم إطمئنان حيال مشاركتهم في القمة التي بات الجميع على قناعة بأنها لن تأتي بجديد، وأن بيانها الختامي سيكون عبارة عن تكرار لبيانات سابقة إنشائية غير قابلة للترجمة، لا سيما في بلد ما يزال منذ ثمانية أشهر من دون حكومة..