تشهد العاصمة اللبنانية في العشرين من شهر كانون الثاني/ يناير الحالي؛ القمة العربية التنموية والاقتصادية والاجتماعية، بحضور العديد من الرؤساء والملوك العرب، وفي ظل غياب الدولة الليبية؛ بسبب اعتراضات بعض القوى اللبنانية على مشاركتها، وغياب سوريا؛ التي لم يتم اتخاذ قرار عربي حتى الآن بعودتها إلى جامعة الدول العربية.
وقد استُكملت في بيروت كافة التحضيرات اللوجيستية والميدانية والإعلامية لعقد القمة. ويعوّل بعض المسؤولين اللبنانيين الأهمية على هذه القمة لمساعدة لبنان لمواجهة مختلف التحديات الداخلية والخارجية، كما انعقد في مقر منظمة الأسكوا في بيروت مؤتمر تمهيدي لمؤسسات المجتمع المدني العربية من أجل دراسة بعض الأفكار والاقتراحات التي سترفع للقمة. ووجّه المؤتمر القومي العربي نداء خاصا للقمة؛ تضمن العديد من الاقتراحات والأفكار حول معالجة المشكلات العربية.
لكن ماذا يمكن أن تقدم هذه القمة للعالم العربي لمواجهة مختلف التحديات الداخلية والخارجية؟ وهل لا تزال جامعة الدول العربية هي الإطار الصالح لمعالجة القضايا والمشكلات العربية؛ في ظل الصراعات بين مختلف الدول العربية، وانقسام العالم العربي بين عدد من المحاور الإقليمية والدولية؟ وأي مستقبل للعرب ودولهم بعد القرار الأمريكي الانسحاب من سوريا، وازدياد الصراعات والتنافس بين القوى الإقليمية والدولية لملء الفراغ الحاصل بسبب هذا الانسحاب؟
مصادر سياسية مطلعة في بيروت تعتبر أن العالم العربي يمر اليوم في مرحلة انتقالية خطيرة، بعد فشل الثورات العربية، والانقسامات الحاصلة بين الدول العربية، وفشل المجالس الإقليمية، إضافة للفشل الكبير الذي تواجهه جامعة الدول العربية، والتي لم تستطع معالجة الأزمات المختلفة بين الدول العربية وتحولها لمجرد منبر لإعلان المواقف؛ أو لتظهير الصراعات والخلافات بين مختلف الأطراف العربية.
وتشير المصادر إلى إنه إضافة للانقسامات والصراعات بين مختلف الدول العربية، فإن الصراعات امتدت إلى عدد كبير من الدول العربية، والتي أصبح مصيرها معلقا بالجهود الإقليمية والدولية، ولم تعد قادرة على مواجهة مشاكلها الداخلية. وهذا الأمر ينطبق على عدد كبير من هذه الدول، وعلى الأخص سوريا والعراق واليمن وليبيا والصومال، في حين أن دولا أخرى تعاني من أزمات داخلية عميقة، كمصر والسودان والبحرين والسعودية ولبنان والجزائر وتونس والمغرب. ويضاف لذلك، الصراعات بين دول الخليج وحصار بعض الدول العربية لقطر، وتزايد الدور الإيراني والتركي في العديد من الدول العربية، إضافة لاستمرار خطر الاحتلال الصهيوني لفلسطين، والتحضير المستمر لصفقة القرن وتصفية القضية الفلسطينية، والتطبيع بين الكيان الصهيوني وبعض الدول العربية.
على ضوء هذه المعطيات والأجواء، تعتبر هذه المصادر أن العالم العربي أصبح اليوم أمام تحدٍ وجودي، سواء في ما يتعلق بمستقبل التعاون والعلاقة بين الدول العربية، أو في ما يتعلق بمستقبل كل دولة عربية على حدة فهل لا تزال جامعة الدول العربية، والقمم العربية الاقتصادية أو السياسية، قادرة على حل المشاكل العربية، وتقديم رؤية جديدة لمستقبل العرب في المرحلة المقبلة؟
ولقد كان لافتا التصريح الذي أطلقه قبل أيام قليلة رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي اللبناني وليد جنبلاط من خلال صحيفة الجمهورية، حيث قال: "إنني أشعر بأنّ الجامعة العربية باتت شبه معدومة، ومن الأفضل استبدالها بالجامعة الإقليمية، لتضمّ تركيا وإيران".
وهذا الطرح الذي أعلنه جنبلاط يتلاقى مع بعض الدعوات والمشاريع التي أطلقت خلال السنتين الأخيرتين، والتي تدعو إلى حوار إقليمي بين العرب والإيرانيين والأتراك والأكراد، من أجل معالجة مختلف التحديات التي تواجهها المنطقة في هذه المرحلة، والتي ستزداد في الأيام المقبلة بسبب القرار الأمريكي الانسحاب من سوريا والتداعيات التي سيتركها مستقبلا.
إذن، نحن أمام مرحلة جديدة في العالم العربي، ويبدو أن القمم العربية، سواء كانت اقتصادية وتنموية، أو كانت قمما دورية، لم تعد قادرة على معالجة أزمات العالم العربي، وأن المطلوب البحث بعمق عن مستقبل العالم العربي في المرحلة المقبلة، وأي مشروع عربي نهضوي قادر على الاستجابة للتحديات المختلفة في ظل الصراعات الإقليمية والدولية.