افتتح البطريرك مار بشاره بطرس الرّاعي، اليوم اللّقاء التّشاوريّ مع رؤساء الكتل النّيابيّة والنوّاب الموارنة، معلناً أنّ "إجتماع اليوم هو من أجل لبنان وكلّ اللّبنانيّين"، قائلاً: "ليس في نيّتنا إقصاء أحد أو التّباحث في أمور خاصّة بنا دون سوانا..."
داعياً إلى مشاركة الجميع في الحكومة والبرلمان والتّكتّلات النّيابيّة والأحزاب.
وتطرق الراعي اولاً إلى الوضعين الإقتصادي والمالي في لبنان قائلاً: "لا أحد منكم يجهل خطورة الوضعين الإقتصادي والمالي، المنذرين بالتهاوي، وخطورة وجود 1.500.000 نازح سوري، وقد تبسط في هذا الموضوع فخامة رئيس الجمهورية، في خطابه إلى أعضاء السلك الديبلوماسي يوم الأربعاء الماضي التاسع من الشهر الجاري، وعبر عن القلق عند اللبنانيين من موقف الأسرة الدولية بهذا الشأن".
مضيفاً، "كما أنه لا أحد يجهل خطورة الوضع الاجتماعي والمعيشي المذريين اللذين يعاني منهما شعبنا، وهو يعبر عن وجعه في مظاهرات وإضرابات، وقد بدأ يفقد الثقة بالدولة وبحكامها، ولا سيما شبابه الطالع والحامل شهاداته الجامعية، ولا يجد وظيفة ومستقبلاً وحقوقاً أساسية تمكنه من تحفيز مهاراته في وطنه، فيتوجه إلى أوطان أخرى أفضل منه، إنها لخسارة جسيمة لا تعوض".
أما سياسياً، قال الراعي: "كلكم تعلمون أن الأزمة السياسية الراهنة تكمن في أساس هذه الأوضاع الخطرة، وهي أزمة تتفاقم يوماً بعد يوم، متأثرة بالحروب والنزاعات الجارية في منطقتنا الشرق أوسطية، ومرتبطة بشؤون داخلية خلافية تتأجل وتتراكم، حتى بات الرأي العام يتخوف من إنفجار يطيح بالكيان والخصوصية اللبنانية التي جعلته صاحب رسالة ودور بناء في منطقتنا، من أجل هذه الخصوصية لبنان محبوب من بلدان المنطقة ومن المجتمع الدولي، والدليل على ذلك مشاركة هذه البلدان في ثلاثة مؤتمرات لدعم لبنان في شهرَي آذار ونيسان الماضيين، كما أنه يشكل علامة رجاء لمسيحيي الشرق الأوسط".
مضيفاً، "من أسباب هذه الأزمة السياسية عدم تطبيق إتفاق الطائف والدستور المعدَل بموجبه، بنصهما وروحهما، لأكثر من سبب داخلي وخارجي، بل أدخلت أعراف وممارسات مخالفة لهما، وسواها مما جعل من المؤسسات الدستورية ملك الطوائف لا الدولة، فأضعفت بالتالي هذه الأخيرة حتى باتت كسفينة في عرض البحر تتقاذفها الرياح، ونشأت مخاوف حيال ما يطرح في السر والعلن:عن تغيير في النظام والهوية، وعن مؤتمر تأسيسي، وعن مثالثة في الحكم تضرب صيغة العيش المشترك المسيحي - الإسلامي المشبه بنسر ذي جناحين، وعن غيرها، فيما تفصلنا سنة وسبعة أشهر عن الاحتفال بالمئوية الأولى لإعلان دولة لبنان الكبير، فمن المؤسف أن يتراجع نحو الوراء بعد ما حقق من إنجازات إقتصادية ومالية وثقافية".
وحذر الراعي من حالة الخطر التي تمر بها البلاد قائلاً: "أمام هذا الواقع المقلق، وتجاه رغبة العديد من اللبنانيين المطالبين هذا الصرح العمل على القيام بمبادرة إنقاذية، رأيت من واجب الضمير أن أدعوكم إلى هذا اللقاء التشاوري المسؤول، فيجب أن نتباحث من أجل توحيد الرأي حول كيفية الخروج من حالة الخطر السياسي والاقتصادي والمالي، وحول مفاهيم ذات طابع دستوري من مثل: الدولة المدنية، وإلغاء الطائفية السياسية، واللامركزية، وحياد لبنان، والثلث المعطِل، والائتلاف الحكومي وارتباطه بقانون الانتخابات الجديد".
ولفت الراعي إلى أنّ "الوحدة اللّبنانيّة مهدَّدة اليوم. وقد سمّاها خادم الله البطريرك الياس الحويّك "الوديعة الثّمينة" التي بذل الجهود في سبيلها، لأنّها بنظره "تُرسي أُسُس الميزة اللّبنانيّة، وهي الأولى في الشّرق، إذ تحلّ المواطنة السّياسيّة محلّ المواطنة الدّينيّة".
مضيفاً، "بسبب هذه الميزة يمتلك لبنان وجهًا خاصًّا، وشخصيّة يتمسّك بالمحافظة عليها فوق كلّ شيء". واعتبر أنّ "الوحدة اللّبنانيّة استَبَقت الميثاق الوطنيّ وهيّأت له"، قائلاً: ""تقوم الوحدة اللّبنانيّة، في رؤيته، على "احترام الحرّيّة الدينيّة وتحقيق المساواة بين الطّوائف بحيث لا تطغى طائفة على طائفة أخرى، وعلى إحقاق العدل، وعدم التّساهل مع متجاوزي القانون".
وأضاف: "إبتغيت من هذا العرض، الذي ليس خفيًّا عليكم، أن نفكّر معًا في الدّور المطلوب منّا كمسؤولين اليوم، مثلما فعل قبلنا رجالات من طائفتنا، فتضامنوا في مسيرة طويلة منذ تأسيس البطريركيّة المارونيّة مع البطريرك الأوّل القدّيس يوحنّا مارون سنة 686، وجابهوا المصاعب على أنواعها حتّى قيام دولة لبنان الكبير في أوّل أيلول 1920، ثمّ واصلوا هذه المسيرة بتوحيد الكلمة ورصّ الصّفوف وتقدمة الشّهداء الغالين والتّضحيات الجسام، وهكذا استطاعوا، مع سواهم من المواطنين، التّغلّب على مخططات كادت تودي بالدّولة اللّبنانيّة. نحن نريد يقظة وطنيّة موحّدة، منها وبها ننطلق مع كل مكوّنات المجتمع اللّبنانيّ لحماية الجمهوريّة".
وختم: "نرغب أن يكون هذا اللّقاء التّشاوريّ ملتئمًا بصورة دائمة لكي ندرأ الخطر عن الوطن الحبيب، ونعمل مع كلّ مكوّناته المسيحيّة والإسلاميّة على حمايته كيانًا ومؤسّسات وشعبًا، فيستعيد مكانته ودوره في الأسرتين العربيّة والدّوليّة، هذه هي أطر لقائنا التّشاوريّ، وهذا هو واجبنا تجاه شعبنا اللّبنانيّ العزيز الذي يتطلّع إلينا بثقة".