لم يسبق لطرابلس أن شهدت أزمة بلدية مستفحلة كالتي تعيشها اليوم، حتى في عز الخلافات التي عصفت بمجالس سابقة، لم ترتق الى هذا الشلل والتعطيل والمستوى المتدني في التخاطب، والى هذه السجالات والتجاذبات والصراعات التي تُفقد البلدية حضورها ودورها، وتفقد رئيسها وأكثرية الأعضاء هيبتهم التي يرى كثيرون أنهم يضربونها بأيديهم من خلال سوء الادارة وعشوائية التصرفات ونشر الغسيل بالاتهامات والاتهامات المضادة والتي باتت على كل شفة ولسان في المدينة.
ينقسم المجلس البلدي اليوم الى ثلاثة أقسام، قسم يضم رئيس البلدية أحمد قمر الدين وعضوين معه يلجأ للقضاء للدفاع عن نفسه، وقسم يتألف من 11 عضوا يخوضون معركة شرسة ضد قمر الدين عبر تحركات وكيّل الاتهامات له على مواقع التواصل الاجتماعي وبالشكاوى التي تقدم الى وزارة الداخلية، في محاولة لسحب الثقة منه قبل أوانها، وقسم ثالثا يضم 9 أعضاء يسعون للحفاظ على هيبة موقع رئيس البلدية بغض النظر عن الشخص الذي يشغله، وينتظرون تسوية ما للسير مع قمر الدين في حال إستمر في منصبه خصوصا بعد أيار المقبل، أو مع رئيس أي آخر في حال تم سحب الثقة منه.
لم يعد خافيا على أحد أن الطرابلسيين ضاقوا ذرعا ببلديتهم ورئيسها وأعضائها، وملّوا منهم وسئموا خلافاتهم، خصوصا أنهم إنتخبوهم لكي يعملوا ويبذلوا الجهود من أجل تطوير المدينة وتنفيذ مشاريعها، لا لكي يمضوا سنتين ونصف السنة في تجاذبات وصراعات لا طائل منها، وفي شكاوى وشكاوى مضادة تزيد من منسوب الحقد والكراهية فيما بينهم، وفي إتهامات بارتكابات وفساد وتزوير حتى الآن لا توجد إثباتات لها، ما يجعل القضاء يقف مكتوف الأيدي وغير قادر على البت فيها، بينما تدفع طرابلس الثمن بفعل الحرب القائمة التي أقفلت المعابر أمام إجتماعات المجلس البلدي وعطلت كل ما من شأنه أن يصب في مصلحة المدينة وأهلها.
كل هذه “الزوبعة” الحاصلة، لا معنى لها أمام تحقيق مصلحة المدينة، وإستخدام الأموال الموجودة في صندوق البلدية لتنفيذ المشاريع الملحة، فثمة مراجع صالحة ترعى العمل البلدي، وإذا كان أحمد قمر الدين قد إرتكب تزويرا في قضية لجنة تعيين الشرطيين البلديين، فالقضاء موجود وهو قادر على محاسبته وكذلك وزارة الداخلية، وإذا كان ما يساق بحق قمر الدين نوع من الافتراء فمن حقه أن يدافع عن نفسه وعن سمعته أمام المرجع الصالح.
لكن ليس من حق قمر الدين ولا الأعضاء المعترضين أن يعطلوا جلسات المجلس البلدي، وأن يهدروا الوقت في مماحكات وخلافات في وقت تحتاج فيه المدينة الى كل أنواع الخدمات التي تتعطل وتُشل بفعل عدم صدور القرارات البلدية سواء بما يتعلق بجسر الشلفة أو بتنفيذ الأرصفة، أو بجبل النفايات، أو بتشكيل قوة ضغط على مجلس الانماء والاعمار أو مراقبة الحفريات التي تجتاح المدينة من أقصاها الى أقصاها، أو في ممارسة العمل البلدي اليومي الذي يحتاج الى توصيات اللجان وإقرارها في المجلس البلدي.
ربما تكون الاختلافات في وجهات النظر مشروعة في كثير من الأحيان ضمن المجلس البلدي، وربما يلجأ البعض الى القضاء أو الى وزارة الداخلية في حالات مختلفة، لكن شرط أن يُبقي المجلس البلدي على إجتماعاته من أجل معالجة قضايا المواطنين وعلى الأقل مواجهة العواصف التي تهب على المدينة، لا أن يبقى هذا المجلس أشهرا عدة من دون جلسات، أو بجلسات لا تكتمل بفعل منسوب الحقد المتنامي بين الرئيس ومعارضيه.
هذا الواقع يطرح تساؤلات جوهرية لجهة: هل تم إنتخاب المجلس البلدي ورئيسه من أجل تعطيل العمل البلدي والتلهي بالخلافات والأحقاد الشخصية أم من أجل العمل والانتاج؟، وماذا تنفع كل هذه الاعتراضات طالما أن هناك خمسة أشهر تفصلنا عن موعد طرح الثقة بالرئيس؟.. ألا يعلم المعترضون أنهم لا يملكون اليوم أي قدرة على إجبار قمر الدين على ترك منصبه إلا عندما يحين موعد طرح الثقة به؟، وماذا يمنع الرئيس والأعضاء من عقد جلسات المجلس البلدي رغم خلافاتهم لتسيير شؤون المواطنين؟، ولماذا لا تدفع قيادات المدينة نحو هذه المساكنة ولو كانت بالاكراه؟..
يقول كثيرون من الطرابلسيين، أن ثمة مخرج وحيد للاطاحة برئيس البلدية اليوم، وهي تقديم إستقالة جماعية من أكثرية الأعضاء تُفقد المجلس البلدي النصف زائدا واحدا، عندها يتم حله تلقائيا ويرتاح الطرابلسيون من مجلس بلدي يئسوا من أن يكون أو أن يصبح منتجا!..