بهدوء العارف بالشيء، يُبلغ الرئيس المكلف سعد الحريري كل من يسأله من المقربين عن تشكيل الحكومة بعبارة: “لا شيء جديد”، ما يؤكد أن العصي تزداد في دواليب قطار التأليف، والتي يبدو أنها تجمدت مع بدء العاصفة “نورما” وصولا الى العاصفة “ميريام”، وهي بدأت تشهد برق ورعد سياسي يتخوف كثيرون من يضرب أسس الصيغة اللبنانية برمتها.
منذ أيام توقف الحديث عن الحكومة بشكل شبه كامل، فلا مشاورات حول تمثيل اللقاء التشاوري، ولا نزاع حول الثلث المعطل، ولا محاولات لطرح تبديل بعض الحقائب، إذ أن تطورات سياسية فرضت نفسها جعلت تأليف الحكومة يتراجع في سلم الأولويات اللبناني الذي تقدمه تنظيم القمة الاقتصادية ومحاولة كل طرف من الأطراف السياسية فرض رأيه عليها سواء برفض مشاركة سوريا أو ممانعة مشاركة ليبيا، أو المطالبة بالتأجيل، أو الاصرار على التنظيم.
وما يضاعف من المخاوف هو الإشتباك السياسي المتجدد بين التيار الوطني الحر وحركة أمل حول القمة ودعوة ليبيا، والذي بلغ مرحلة متقدمة وصلت الى تهديد الرئيس نبيه بري وبعض نوابه بإعادة “إنتفاضة 6 شباط سياسيا وغير سياسيا”، الأمر الذي ينذر بمزيد من التصعيد الذي قد يؤدي الى ما لا يحمد عقباه خصوصا في ظل تنامي الاستفزازات التي تمثلت أمس بتمزيق أعلام ليبيا التي رفعت مع أعلام دول عربية تمهيدا لعقد القمة الاقتصادية ووضع أعلام “حركة أمل” بدلا منها وذلك في رسالة واضحة وصريحة للدولة عموما وللعهد بشكل خاص.
واللافت أن الوزير جبران باسيل حاول أمس الاختباء وراء حزب الله والاستنجاد به بشكل غير مباشر، بتأكيده أنه لا يعرف سوى 6 شباط 2006 الذي أنتج تفاهم مار مخايل، عله يستطيع وضع حد للهجوم الذي تشنه حركة أمل عليه، لكن الحزب سارع إلى إعتماد مبدأ “النأي بالنفس” حيال الاشتباك السياسي القائم، ليتولى عضو كتلة التنمية والتحرير النائب علي خريس الرد بعنف على باسيل، معتبرا أنه “لا يعرف 6 شباط 1984 لأنه لا ينتمي الى مدرسة المقاومة”.
أمام هذا الواقع يبدو أن الوضع الداخلي مقبل على تصعيد كبير، معطوفا على وضع إقليمي ساخن لا سيما لجهة رفض إيران للاتفاق الأميركي ـ الروسي بشأن سوريا، إضافة الى أزمة الحكم العراقية، وما يمكن أن ينتج عن ذلك من رسائل سياسية وربما أمنية في بعض دول المنطقة ومن بينها لبنان الذي بات بحكم المؤكد أن حكومته لن تبصر النور إلا بتوافق إقليمي يبدأ في سوريا وينتهي في العراق أو بالعكس.
يقول بعض المتابعين: “لم يعد أمام الرئيس سعد الحريري سوى تفعيل حكومة تصريف الأعمال، كحد أدنى لمواجهة الأزمات التي يتخبط بها البلاد والعباد، خصوصا أن كل المؤشرات توحي بأن الجميع وصل الى الحائط المسدود وأن إيجاد الثغرات التي يمكن أن تؤدي الى الحل صعبة المنال أقله في الوقت الراهن”.
ويشير هؤلاء الى أن “البلد أمام مخاطر حقيقية، بدءا من تعطيل تشكيل الحكومة والذي قد يمتد الى الربيع المقبل، مرورا بتنامي الخلاف حول القمة الاقتصادية التي ما تزال فرص تأجيلها حتى الآن تتقدم على فرص إنعقادها، إضافة الى التهديد المباشر لإتفاق الطائف حيث يتطلع كثيرون الى الفرصة السانحة للانقضاض عليه”، آملين أن “يتمكن لبنان من تجاوز هذه المرحلة على البارد، لأن تسخين الشارع أو إستخدامه سيكون له تداعيات كارثية لن يستطيع أي طرف مهما بلغت قوته تحملها”.