لم يحمل بيان السفارة الاميركية عن زيارة معاون وزير الخارجية ديفيد هيل الذي تزامن مع وصوله الى بيروت وصدر قبل لقاءاته، ما يُطمئن اللبنانيين مسؤولين ومجموعات سياسية معينة، الى ان الادارة الاميركية تريد فعلا ترييح الساحة اللبنانية من الخلافات ودعم لبنان ولا سيما مؤسساته العسكرية والامنية، لأن البيان اوضح بشكل لا لبس فيه ان الزيارة هي للتحريض على «حزب الله» ودعم الكيان الاسرائيلي المحتل في إجراءاته العسكرية عند الحدود وخرقه للقرار 1701 والسيادة اللبنانية. حيث كشفت السفارة أن هيل «سيشدّد على قلق الولايات المتحدة من أنشطة حزب الله المزعزعة للاستقرار في لبنان والمنطقة، بما في ذلك الاكتشاف الأخير لأنفاق الحزب العابرة للحدود، والتي تتحدى قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701، وتعرّض أمن الشعب اللبناني للخطر، وتقوّض شرعية مؤسسات الدولة اللبنانية».
اما باقي الكلام الدبلوماسي المنمق الوارد في بيان السفارة فلا يخدم لبنان فعليا بأي أمر، بل ان هدف الزيارة جاء ليصب زيتا اميركيا على نار الخلافات السياسية والانقسامات الداخلية بتوجهه ضد طرف لبناني ودعم طرف آخر. حيث افادت مصادر جهات سياسية التقت هيل، انه ابلغ من التقاهم الموقف ذاته الذي تضمنه بيان السفارة في بيروت. لكن المصادر قللت من امكانية زيادة التوتر الداخلي لأن كل طرف متمسك بموقفه المعروف ولا توجد توقعات بتغييرات ما بل ستبقى الامور تراوح مكانها من الجمود.
قرأ الكثير من المتابعين جولة وزير الخارجية الاميركية مايك بومبيو ومستشار الرئيس الاميركي للامن القومي جون بولتون والمعاون ديفيد هيل في دول المنطقة، أنها لطمأنة «الحلفاء والاصدقاء» الى ان الادارة الاميركية لن تترك منطقة الشرق الاوسط لإيران وحلفائها وانها ستواصل دعم الكيان الاسرائيلي، ما يعني غياب الافق امام أي حل سياسي لأزمات سوريا والعراق واليمن وليبيا وسواها، عدا عن غياب الافق امام حل داخلي لبناني يبدأ من تشكيل الحكومة الجديدة وينتهي بتوافقات سياسية كبرى حول كيفية ادارة وضع البلد بشكل سليم ومنتج وهادئ في ظل توترات الاقليم المتفجرة، والتي يمكن ان تتفجر اكثر من جراء السياسة الاميركية الحالية المتّبعة.
هذا التصعيد الاميركي ضد ايران وحلفائها في المنطقة والذي بدأ منذ أشهر، كان من الطبيعي ان يقابله استنفار مقابل من الحلف الايراني - السوري - اللبناني، انعكس تعقيدات اضافية على موضوع تشكيل الحكومة وانعقاد القمة العربية التنموية الاقتصادية الاجتماعية في بيروت الاسبوع المقبل، بسبب الشروط والمطالب التي رُفعت تارة حول دعوة سوريا وطورا حول دعوة ليبيا ومرة حول الصلاحيات، واخرى حول الثلث الضامن ومرات حول نغمة محاولة فرض «المثالثة» في سلطة القرار. ما دفع مرجع سياسي كبير الى القول امس في مجلس خاص: ان الساحة اللبنانية مفتوحة الان والوضع متأزم على كل المستويات ما يخلق فرصة لتسجيل المواقف عالية السقف من هنا وهناك.
لكن المرجع ذاته اكد انه بمجرد ان تنتهي عاصفة السياسة في المنطقة وتنعكس على لبنان تهدئة سياسية وتتشكل الحكومة، فسرعان ما تهدأ العاصفة الداخلية وتهدأ المواقف النارية، ويبقى المهم الاتفاق على خطوات ما بعد تشكيل الحكومة.
بالمقابل، لم تخفِ جهات رسمية قلقها من الموقف المسبق الذي اعلنته السفارة الاميركية عن هدف زيارة هيل، وقالت: ان البلد لا ينقصه انقسامات وخلافات، لكن موقف لبنان الرسمي الذي سيتم ابلاغه الى الموفد الاميركي (الذي سيلتقي الرئيس ميشال عون في الثامنة والنصف من صباح اليوم)، سيتضمن الثوابت المعروفة رسميا من الاوضاع الداخلية وحفظ الوحدة الوطنية ورفض الانتهاكات الاسرائيلية، لكن المسؤولين سيستمعون ايضا الى ما سيحمله هيل في اللقاءات الرسمية ويكون لكل موقف الرد الرسمي الواضح «ولكل مقام مقال».
وبالنسبة لمشكلة تمثيل ليبيا في القمة والدعوات لتأجيلها، اوضحت المصادر الرسمية ان القمة في موعدها واعمالها تبدأ بعد اربعة ايام ولا امكانية لتأجيلها نظرا لتأثيرات ذلك السلبية على لبنان سياسيا ومعنويا واقتصاديا، لكن هناك اتصالات تجري بالنسبة لتمثيل ليبيا ومن ضمن الافكار المطروحة تخفيض مستوى الوفد الذي سيمثل الحكومة الليبية، لأن الدعوة الرسمية وجهت للدولة الليبية ولا امكانية لسحبها، لكن معلومات ترددت مساء امس، تفيد عن احتمال مقاطعة ليبيا للقمة وعدم حضور اي ممثل عنها.