يفكر البطريرك مار بشارة بطرس الراعي جدياً في عقد لقاء ماروني يجمع “القادة” او رؤساء الاحزاب المسيحية – المارونية، للبحث علناً في تداعيات التأخير في تأليف الحكومة، وأثرها السيئ على العهد، وتحديداً العراقيل الموضوعة عمداً لجعل انطلاقة عهد الرئيس ميشال عون متعثرة، وذلك بعدما سمع البطريرك كلاماً مفاده ان افرقاء في الداخل، وجهات خارجية، تريد للرئيس ان يفشل بعد المعادلة التي اوصلته الى بعبدا من دون رضى تام من كل المعنيين بالشأن اللبناني.
واذ ربط البعض اللقاء قبيل سفر البطريرك الى الولايات المتحدة وامكان لقائه الرئيس دونالد ترامب، او اقتصار لقاءاته على مسؤولين بارزين في الادارة الاميركية، برغبته في الاتفاق على مواقف تعبّر عن الحالة المسيحية، خصوصاً بعد التمني عليه من وفد “حزب الله” ان يسعى لتوفير غطاء للحزب فلا يحمّله مسؤولية التعطيل، تبدو الامور أبعد من الزيارة التي يمكن ان يطرح خلالها موضوع “تعديل” النظام في لبنان، وهو الطرح القديم الجديد الذي يعود الى أكثر من عشر سنين مضت، والذي يعاد طرحه تحت تسميات مختلفة.
وتتخوف بكركي باستمرار من تغيير في النظام اللبناني من دون توافق حوله، ومن دون حد أدنى من الاجواء المهيَّأة لهذا الطرح، فيتم اثر حرب او أحداث ساخنة، ويأخذ شكل الفرض، لا التغيير الايجابي، وقد بدأت بكركي تشتم رائحة الانقلاب على النظام ومحاولة فرض إرادة وواقع جديدين.
وقد نقل زوار الى البطريرك كلاماً مفاده ان التعطيل المقصود حالياً يهدف الى بلوغ مرحلة الاستسلام للواقع لان “النظام مش ماشي” وبات يحتاج الى اعادة صياغة. ونقل الزوار ايضا ان ثمة رغبة شيعية في تكريس “انتصار محور المقاومة” بشكل دستوري فتتم صياغة نصوص جديدة اكثر مذهبية، لا تتوافق مع دعوة الرئيس نبيه بري الى دولة علمانية، بل تكرس حقوقاً ثابتة للطائفة الشيعية، كما سمع البطريرك عن شرط مقبل للموافقة على تخلّي “حزب الله” عن سلاحه، يقضي باعطاء الشيعة قيادة الجيش فتأمن الطائفة لأمنها. ويثير بعض المنظّرين تخوفهم من ان يوافق رئيس الجمهورية على بعض الطروحات شرط ضمان انتخاب الوزير جبران باسيل رئيساً من بعده، ولعدم بلوغ المثالثة في الحكم والتي لا يجرؤ الشركاء في الوطن على طرحها علناً طالما هي مطبقة على ارض الواقع. وتتخوف بكركي من مجمل هذه الافكار والطروحات لانها ستؤدي حتماً الى خسائر اضافية على تلك التي اصابت المسيحيين، ليس من الطائف، وانما من سوء تطبيق الاتفاق، او التطبيق المنقوص له.
لكن المفارقة لدى صاحب الغبطة والنيافة، ان الذين يدعوهم الى لقاء للتباحث في امور مصيرية، جرَّبهم سابقاً، وهم اتفقوا على ان لا يتفقوا، وان يحافظوا على تلك المكتسبات كلّ من منظاره الذي لا يلاقي الآخر. اما حصر البحث في الوضع المسيحي معهم فقط، ففيه ظلم للآخرين، لان الاوضاع المشابهة لا تحتاج الى شعبوية بل الى رجاحة عقل متوافرة هي ايضاً لدى الارثوذكس والكاثوليك والارمن والسريان، وكلهم معنيون.