ربّما لم يعد مُفيداً التساؤل إذا كانت القمّة العربيّة الاقتصاديّة المقرّر انعقادها في لبنان في الـ 20 من شهر كانون الثاني الجاري ستنعقد أم لا. فالمعلومات المتوافرة لدى أكثر من جهة محليّة وعربيّة تُشير إلى قرار قسم مُهمّ من الدول العربيّة الاشتراك فيها، وقد أبلغت ذلك إلى رئاسة الجمهوريّة وإلى الدوائر المعنيّة اللبنانيّة. وتُشير أيضاً إلى أن دولاً مُهمّة بحجمها الديموغرافي والتاريخي وأخرى بدورها السياسي في المنطقة ستتمثّل بقادتها منها دولة الكويت التي لن يبقى أميرها الشيخ صباح الأحمد الصباح في بيروت أكثر من ثلاث ساعات هي مدّة اجتماع الملوك والرؤساء العرب وممثّلي الغائبين منهم. ومنها أيضاً دولة قطر التي سيمثّلها رئيسها الشيخ تميم بن حمد آل ثاني.
وهي تُشير ثالثاً إلى أن دولة السودان قد تتمثّل برئيسها أيضاً عمر حسن أحمد البشير إلّا إذا شعر أن الاحتجاجات الشعبيّة البادئة ضدّه منذ أيّام تستدعي بقاءه فيها. طبعاً سُتشارك دول عربيّة أخرى في القمّة ولكن على مستوى الوزراء. علماً أن ثلاث دول خليجيّة امتنعت حتّى الآن عن إعطاء أجوبة تؤكِّد فيها اشتراكها في القمّة وعلى أي مستوى أو غيابها عنها هي المملكة العربيّة السعوديّة ودولة الإمارات العربيّة المتّحدة ومملكة البحرين. وفي حال كانت أجوبتها إيجابيّة فإن اشتراكها لن يكون رئاسيّاً أو ملكيّاً. وفي هذا المجال يُرجّح أن يمُثِّل وزير الخارجيّة السعودي الجديد ابراهيم العسّاف بلاده نظراً إلى خبرته الاقتصاديّة والماليّة الطويلة التي كسبها في وزارة المال التي شغلها طويلاً.
أمّا النتائج الإيجابيّة للقمّة فإن أحداً لا يستطيع أن يؤكّدها منذ الآن لاعتبارات كثيرة بعضها يتعلّق بالأوضاع المُعقّدة في المنطقة، وبالظروف المختلفة الصعبة التي تمر بها دولها، كما بالحروب التي لم تبلغ نهايتها بعد سواء كانت أهليّة أو ضد الإرهاب الإسلامي البالغ التطرّف والشدّة، أو حروباً إقليميّة بالواسطة تخوضها دولتان كبيرتان عربيّة هي السعوديّة وغير عربيّة هي إيران وتتميّز بأبعادها وخلفيّاتها السياسيّة – التوسُّعيّة – المذهبيّة. لكن البعض في لبنان من المُتحمّسين لها يُبرِّر موقفه بحاجة لبنان إلى دعم أشقائه العرب لاقتصاده المُتردّي ونقده المُهدّد، وإلى إسهام ذلك في استعادة بعض استقراره السياسي وتالياً تسهيل تأليف حكومة جديدة بعد انتظار قارب الثمانية أشهر، كما في الإفادة من جيرته الجغرافيّة لسوريا للإشتراك في إعادة ما دمّرته الحروب فيها منذ 2011. وقد زادت حماسة هذا البعض بعد بدء ملامح انفتاح من صُنِّفوا أعداء لنظام سوريا من العرب عليه وحلفاء لغالبيّة شعبها التي ثارت عليه، ومن قاموا بأدوار عدّة في حربها التي لم تنتهِ حتّى الآن. فالإمارات العربيّة المُتّحدة أعادت فتح سفارتها في دمشق بعد طول إغلاق والبحرين يقترب من تنفيذ خطوة مُشابهة بضوء أخضر من السعوديّة التي يتردّد أنّها ستُبادر إلى حذو حذوهما ولكن في وقت لاحق. والعلاقة بين مصر السيسي ونظام الأسد جيّدة والتعاون بينهما مُستمرّ وعلاقة الجزائر به جيّدة، فضلاً عن أن اتّصالات الأردن به مُستمرّة وإن بتقطُّع أحياناً. إلّا أن إنتاجيّة الحماسة المذكورة لن يراها اللبنانيّون إذا بقوا غير مُنفتحين على النظام المذكور، وخصوصاً بعدما نجح في البقاء رغم أن شكله يحتاج إلى وقت طويل كي يتقرّر ولا سيّما مصيره. وانفتاحهم عليه أسهل من انفتاح الآخرين لأن العلاقة الديبلوماسيّة بين الدولتين لم تنقطع منذ 2011، ولأن لأحد شعوبه علاقة مميّزة معه ولنصف شعب آخر علاقة جيّدة معه أيضاً رغم الفتور الذي أصابها بعد وصول ممثّله إلى الحكم، جرّاء عدم قيامه بالخطوات الضروريّة لإظهار العلاقة الجيّدة وتوظيفها لمصلحة البلدين و”النظامين” إذا جاز التعبير على هذا النحو. طبعاً يتفهّم الدّاعون إلى الانفتاح دوافع رافضي استكماله وفي مقدّمهم الرئيس المُكلّف سعد الحريري، لكنّهم يقولون أن زيارته دمشق والأسد ليست ضروريّة لهما وله. إذ أن المُهمّ القيام بتطبيع حقيقي للعلاقة يُساعد لبنان على مواجهة صعوباته الاقتصاديّة كما على المشاركة في إعادة إعمار ما دمّرته الحرب السوريّة وهو كثير وكبير. طبعاً لا تحظى الحماسة المُشار إليها باقتناع جهات لبنانيّة عدّة ليس بسبب عدائها لسوريا أو لنظامها الذي يعتبره كثيرون مصدر البلاء لشعبه ولشعب لبنان وللفلسطينيّين ولأنظمة وشعوب عربيّة عدّة، بل بسبب عدم جهوزيّة لبنان لتنفيذ المشروعات التي يطرحها رغم أهميّتها.
فإصراره على القمّة الاقتصاديّة غير مُفيد إلّا لتلميع صورة قيادته السياسيّة التي صارت باهتة. وهو لن يحصل على مساعدات من أشقّائه الأغنياء، ولن يحصل من دول العالم التي اجتمع كبارها وأغنياؤها من أجله على ما وعدوا به، لأنّه عجز من زمان عن تحقيق إصلاحات، ولأنّه سيعجز مُجدّداً عن ذلك بسبب عدم وجود حكومة عاملة فيه وانقساماته العموديّة والأفقيّة التي لا حلول لها، فضلاً عن الفساد الذي غرق فيه من زمان ولا مسؤوليّة حكّامه وقادته وزعمائه من كل الطوائف والمذاهب والأديان. فهؤلاء يُحبّون طرح المبادرات وإن كانوا أو شعوبهم غير مؤهّلين لتنفيذها. ولعلّ مطالبة لبنان الأمم المتّحدة بقرار يكرّسه مركزاً لحوار الحضارات في العالم دليل حسّي على ذلك. إذ لو كان هذا الحوار قائماً لما وقعت الحروب فيه منذ استقلاله، ولما سقط فيه القتلى والجرحى بمئات الآلاف، ولما فشلت مبادرات الخارج الشقيق والدولي في إعادة وحدته الفعليّة لا وحدته الخياليّة بل الزائفة. فضلاً عن أن لبنان يحتاج إلى مثال ناجح على هذا الصعيد كي يتعلّم منه، لأنه ليس مثالاً كهذا.