يكاد كلام وزير الخارجية الأميركي، خلال جولته في منطقة الشرق الأوسط، حول وجود نفوذ كبير لحزب الله في لبنان، يعبّر عن أن واشنطن ترفض التسليم بالأمر الواقع. ما يوحي بحقيقة عرقلة كل المسار السياسي اللبناني الداخلي. يقول بومبيو: "حزب الله المدعوم من إيران شنّ اعتداءات شكّلت خرقًا للقرار 1701، ولن نقبل بالوضع الحالي، الّذي يمرّ به لبنان، بسبب حزب الله. ولن نقبل بسياسات الحزب في لبنان"، معلنًا "إننا نعمل على تقليل تهديد ترسانة "حزب الله" الصاروخية على إسرائيل".
الكلام واضح، ويحيل لبنان إلى التجاذب بين الأميركيين والإيرانيين.
لا حرب
لا يعني هذا الكلام، بأبعاده ومعانيه، أن واشنطن ستأتي بجيوشها الجرارة إلى منطقة الشرق الأوسط لمواجهة النفوذ الإيراني. ما سيحصل سيكون شبيه بما حدث في الإتفاق النووي في العام 2015، والمسار الذي سلكه الأميركيون والإيرانيون طوال السنوات التي سبقت توقيع الإتفاق، أي العودة إلى سياق تفاوضي بين الطرفين. وهو لطالما أكده الرئيس الأميركي دونالد ترامب. وكل الضغوط الأميركية على إيران تصب في سياق واحد هو الجلوس على طاولة المفاوضات. بمعنى آخر، لا حرب في الأفق. وفحوى الرسالة الأميركية، التي تعترف بقوة إيران وحزب الله في لبنان، كما في كل المنطقة، هو أن واشنطن جاهزة للتعاون والتنسيق، ولو كان بشكل غير مباشر، بل وحتى في ظل خطاب إيران وحلفائها المعادي للسياسة الأميركية، طالما أن المصالح ستبقى محفوظة. التوافقات هي التي ستكون سيدة الموقف. والمعروف عن الأميركيين هو سعيهم إلى التعاون مع الأقوى، أو مع الأمر الواقع، أو مع القوى القادرة على الإلتزام باتفاقات أو بعمليات ضبط الحدود.
اجتماعات مسقط
لكن أي نوع من التعاون لا يمكن إلا أن يقترن بتفاهم أوسع وأكبر بين الطرفين. والوصول إلى ذلك، سيمرّ في عقبات وخلافات عديدة، لن تكون التفاصيل خارجة عنها، كمثل مناطق النفوذ وكيفية رسم حدود هذه المناطق ومدى تأثيرتها، تماماً كما هو حال الاختلاف بين أي طرفين متحالفين، وهذا مشهود بين الأتراك والأميركيين في سوريا، وبين الأتراك والروس، وبين الأتراك والإيرانيين. فليس هناك مانع أن يكون الأمر مشابهاً للوضع الأميركي العراقي.
وفي انسحاب الكلام الأميركي على الواقع اللبناني الداخلي، فمن الجلي أن عرقلة تشكيل الحكومة أصبحت أوضح بعد كلام بومبيو، وبعد جملة معطيات محلية وخارجية، ليثبت مجدداً أن تعطيل عملية تشكيل الحكومة خاضعة للتجاذب الأميركي الإيراني. وهي جملة من مجموعة ملفات يتم بحثها بين الأميركيين والإيرانيين بشكل غير مباشر. مع التأكيد، بأن هناك ثلاث لقاءات حصلت بين الطرفين في سلطنة عمان لبحث ملفات المنطقة.
بري: إرضاء سوريا
المؤشر الآخر على الإستحكام الدولي والإقليمي في الإستحقاقات اللبنانية من الحكومة إلى ما يتعداها، هو التجاذب الآخذ في التوسع حول القمة الاقتصادية العربية التي ستعقد في بيروت، والتي لم ينجح لبنان بمساعيه مع بعض الدول في دفع الجامعة العربية، إلى دعوة النظام السوري للمشاركة بهذه القمة. وبالتالي سيكون لعدم دعوة سوريا مفاعيل سياسية متعددة، بدأت بموقف الرئيس نبيه برّي، الذي عبّر عن عدم المشاركة بأي لقاء عربي، ما لم تكن سوريا مدوعة إليه. كما ارتأى وجوب تأخير القمة الاقتصادية طالما سوريا لم تدع، وما من حكومة منجزة، وصولاً إلى إستمرار المزايدة في هذا المجال لإرضاء النظام السوري، بإمتناع تغطية فعاليات القمة من قبل الجانب الإعلامي المحسوب على برّي.
هذا المسار استكمل أيضاً بضغط مماثل من قبل حركة أمل، إلى حدّ التلويح باللجوء إلى تسيير تظاهرات وتحركات شعبية لقطع الطريق على الوفد الليبي لمنعه من المشاركة في القمة، كردّ على اختطاف السيد موسى الصدر، لتكون المعادلة الواضحة هي أن لا قمّة، أو قمّة فاشلة في ظل عدم دعوة سوريا إليها. واستكمل الموقف ببيان نواب اللقاء التشاوري، الذين طالبوا أيضاً بإرجاء القمة بما أن سوريا لم تدع إليها. ولا يمكن الفصل هنا بين الحكومة ومشاركة سوريا في القمة.
وبمجرّد التلويح باللجوء إلى الشارع، لقطع الطريق على أحد الوفود العربية، لمنعه من المشاركة في القمّة، فهذا يعني إيصال رسالة سلبية إلى الدول الأخرى، التي قد تتخذ إجراءات تتحسّب لهذا الوضع الأمني. ما قد ينعكس سلباً على مسار القمة. وبلا شك أن ما يجري يصيب بشكل أو بآخر عهد الرئيس ميشال عون. وربما هي جزء من رسائل العتب التي يتلقاها من قبل النظام السوري، وهدفها الضغط كي يتخذ لبنان المواقف التي تريدها دمشق.
وما بين كلام بومبيو والموقف السوري، المعبّر عنه لبنانياً حول القمة الإقتصادية، أصبح من الواضح أن الوضع في لبنان يذهب باتجاه التدويل أكثر فأكثر، فيما المؤشر الداخلي تمثّل في الدعوة الطارئة لعقد إجتماع لمجلس الدفاع الأعلى في بعبدا. وحسب المعطيات، فإن العنوان لتلك الجلسة كان مواكبة التحركات الإسرائيلية على الحدود. وهو بلا شك سيرخي بظلاله في المرحلة المقبلة، لا سيما في ضوء الرسائل الأميركية التي يتلقاها لبنان، حول وجوب إيجاد تسوية حدودية برية وبحرية شاملة. وفي هذا السياق سيزور موفد اميركي لبنان، بعد أيام قليلة، للبحث في التطورات الحدودية.
بينما السياق الآخر لإجتماع مجلس الدفاع الأعلى فكان إنجاز الترتيبات اللازمة لمواكبة القمة الإقتصادية، خصوصاً بعد الكلام عن التحضير لتظاهرات. ما يعني أن عقد هكذا اجتماع يدل على إصرار رئيس الجمهورية على إجراء القمة، بعكس دعوات الآخرين لتأجيلها.