لم تعد الأزمة السياسية في لبنان، مقتصرة على أزمة تشكيل الحكومة. تتسع المشكلة أفقياً، وتبرز الآن من خلال التضارب حول القمة الاقتصادية، ورأي الرئيس نبيه برّي في ضرورة تأجيلها، طالما أن الحكومة لم تتشكل، لكي لا تكون القمة هزيلة أو فاشلة.
المزايدة لأجل الأسد
موقف برّي يراه البعض بأنه يستهدف رئيس الجمهورية والعهد ككل، خصوصاً أن برّي ليس صاحب موقف تقريري بهذه المسألة. ولذا، هو يلجأ إعلان موقف يزايد فيه على عون، وعلى رئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل. لكن، وعلى الرغم من معقولية قراءة هذا المشهد على أنه يندرج في سياق المزايدات، لاسترضاء النظام السوري، فإن المشكلة تتمدد أكثر. ولم تعد تخفي عتباً حقيقياً بين حزب الله ورئيس الجمهورية أولاً، وبين النظام السوري والعهد ثانياً.
يأتي كلام برّي في سياق الردّ على موقف القوى المناهضة لدعوة سوريا إلى القمّة، لكن الواقع يحمل حقائق أخرى. فأي قرار بخصوص تأجيل القمة يعود أصلاً إلى الجامعة العربية وليس للبنان. وبالتالي، فإن القمة ستعقد، ولو من دون دعوة النظام السوري، الذي قد يلجأ إلى تصعيد الضغط السياسي، ردّاً على عدم نجاح المساعي الديبلوماسية لإعادة سوريا إلى الجامعة العربية، وحضورها قمّة لبنان. وسيكون لهذا الضغط مفاعيل سياسية مباشرة، ترتبط بالتشدد حول تأليف الحكومة، وقد تتمدد لتطال مجالات أخرى.
والتشدد بوجه الأسد
اللافت عربياً، هو كلام وزير الخارجية المصري، سامح شكري، قبيل استقباله مستشار الأمن القومي الأميركي، جون بولتون. إذ اعتبر أنه لا يزال من المبكر عودة سوريا إلى الجامعة العربية، وهناك شروط يجب أن تتوفر لأجل تحقيق ذلك، من خلال تطبيق مندرجات القرار 2254. وتعتبر مصادر متابعة أن الموقف المصري هو انعكاس للتوجه الأميركي الجديد. وينسجم مع مواقف بعض الدول الإقليمية، من بينها المملكة العربية السعودية، التي لا تزال تفرض شروطاً على النظام، وتطالبه بتقديم مواقف معيّنة، تشجّع العرب على إعادته إلى الجامعة العربية. الوضع في سوريا يقف عند باب مواجهة جديدة، وتجديد الصراع فيها بشكل مختلف. وبالتالي، عودة الأسد إلى الجامعة العربية لن تكون سهلة، بخلاف الأحلام التي بدأت تُنسج.
أبرز الشروط العربية هي اتخاذ موقف تجاه إيران، ومراجعة السياسة الخارجية لسوريا في المرحلة المقبلة، التي يجب أن تكون قريبة من التوجهات العربية، وليس الإيرانية. لكن هذه الشروط لا تبدو واقعية بالنسبة للبعض. إذ ان النظام السوري يعتاش على الدعم الإيراني مالياً وعسكرياً، ولا يمكنه التفكير في الخروج من العباءة الإيرانية. كما أن طهران غير مستعدة، بأي شكل من الأشكال، لتقديم أي تنازل في هذه المعركة، بعد كل ما تكبدته من خسائر وأثمان. والأسد لن يكون جاهزاً للتضحية بالعلاقة مع الإيرانيين مقابل إعادة مقعد سوريا في الجامعة العربية، لا بل هو يريد الأمرين معاً.
التعويض السوري
لذلك، أصبح الوضع السياسي (والحكومي) في لبنان أصعب. تتضارب فيه الشروط والشروط المضادة. وقد تبدى هذا في موقف المطارنة الموارنة، كما في موقف رئيس الجمهورية، اللذين يؤشران إلى انعطافة نحو مرحلة جديدة من الشد والتجاذب، وليس إلى حلّ المشكلة الحكومية.
هنا، تعتبر المصادر أن التناقض الذي يصيب مواقف الأفرقاء، هو دليل على الإرتباك وضياع الوجهة. فعون مثلاً اليوم يشدد على وجوب إنجاز الحكومة التوافقية، وبناء مظلّة تفاهم. وهذا يختلف كثيراً عن مواقفه السابقة، حين لوّح بفرض حكومة الأمر الواقع، أو حين حذّر رئيس المكلف من "المماطلة" لأن "البديل جاهز".
التحول الذي يحدث على الساحة اللبنانية، سيكون له تداعيات مستقبلية. فرض ملف العلاقات مع سوريا وإعادتها من قبل حلفائها المحليين، سيكون جزءاً أساسياً من اليوميات اللبنانية، المتحكمة بعملية تشكيل الحكومة، كما بالعناوين التي ستعمل الحكومة العتيدة عند ولادتها على معالجتها. لذا، ستكون مثلاً شروط التعويض عن عدم النجاح في دعوة سوريا إلى القمة الإقتصادية في لبنان، هي إعادتها سياسياً إليه، من خلال هوية الحكومة وتركيبتها وتوجهاتها المقبلة، وربما يتجسد حتى في بيانها الوزاري.
التوتر مع حزب الله
كل هذا سيكون نتاج تداعيات إفشال التسوية الأخيرة، عندما تمت تسمية جواد عدرا وزيراً ممثلاً للقاء التشاوري، وانقلب عليها باسيل، بالرغم من أنها كانت سترتد لصالحه وصالح الحريري، باعتبار عدرا ليس ممثلاً جدياً ورسمياً لنواب اللقاء التشاوري. وحسب ما تكشف المصادر، فباسيل طرح عدرا باكراً جداً، ولم يكن يريد أن يتناول اسمه في الإعلام، إلى أن بادر برّي (لإنقاذ باسيل والحريري معاً من المأزق) بتسمية عدرا عبر النائب قاسم هاشم. لكن الرجلين عادا ووضعا شروطاً على عدرا أدت إلى كبح التسوية، بالإضافة إلى الإنقلاب على توزيع الحقائب. عندها اعتبر برّي أن الأمر موجهاً ضده، فأعيد التشدد بمسألة تمثيل اللقاء التشاوري.
خلاصة القراءة لموقف الحريري باسيل المشترك، كانت عبارة عن احتمالين، إما أنهما جمحا برغبتهما في تعزيز مكتسباتهما السلطوية، فأساءا التقدير، أو أنهما اصطنعا العقدة والمشكلة مجدداً، لأنهما لا يريدان تشكيل الحكومة، إلا بشروط معينة، إنسجاماً مع مناخ دولي، ما أدى تلقائياً إلى توتر العلاقة بين باسيل وحزب الله.