لم يعد هناك من مواعيد يضربها المعنيون بتشكيل الحكومة لتحديد زمان ولادتها، بعدما استُنفدت كل الأعياد والمناسبات منذ تكليف الرئيس سعد الحريري في 24 أيار الفائت، حيث كان الموعد الاول في عيد الفطر المبارك، ثم تلاه عيد الجيش، وعيد الاضحى، ودخول عهد الرئيس ميشال عون عامه الثالث، وعيد الاستقلال، ثم عيد الميلاد، وعيد رأس السنة، وصولا الى عيد الغطاس، ومناسبة انعقاد القمة الاقتصادية العربية في بيروت بعد عشرة أيام.
ليس في الأفق ما يشير الى قرب ولادة الحكومة، خصوصا ان كل المواقف المتشنجة ما تزال على حالها، فمبادرة رئيس الجمهورية جُمّدت بعدما جرى الالتفاف عليها من قبل الوزير جبران باسيل سعيا لضم ممثل اللقاء التشاوري الى كتلة لبنان القوي بما يمنحه الثلث المعطل الذي يتمسك به الى ابعد الحدود ويقدم الاقتراحات الواحد تلو الآخر للحصول عليه، واللقاء التشاوري للنواب السنة المستقلين والذي يشكل العقدة الاساسية شكلا، ما يزال ينتظر مبادرة جديدة او اَي اتصال يعيده الى دائرة المفاوضات مع اصراره على ان يكون ممثله عضوا سابعا في اللقاء، وحزب الله يتمسك بتمثيل اللقاء وبعدم إعطاء الثلث المعطل لأي طرف في الحكومة، كما يتمسك أيضا بالرئيس سعد الحريري وهو امر لم يعد مستغربا حيث ان الحزب يعتبر ان الحريري ما يزال رجل المرحلة، وان تجربته معه في حكومته الثانية (حكومة تصريف الاعمال حاليا) مشجعة جدا.
في غضون ذلك ما يزال الحريري يتحصن بالصمت، الذي يرى فيه بعض المقربين موقفا سياسيا متقدما، خصوصا ان الحريري لم يعد قادرا على تقديم اَي شيء، وهو ليس في ذروة قوته لكي يعطي ويتنازل اكثر فأكثر كما كان يفعل سابقا، بل هو اليوم يشعر بالتراجع السياسي والشعبي، ما يجعل كل شيء محسوب عليه، وهذا ما يدفعه الى التحصن برؤساء الحكومات السابقين الذين يشكلون له مظلة سنية ووطنية يحتاجها، لا سيما في ظل الهجوم المباشر وغير المباشر الذي يتعرض له، ومحاولة البعض إلصاق تهمة التعطيل به.
امام هذا الواقع يستمر الضغط السياسي القادم من عين التينة من خلال مواقف الرئيس نبيه بري الذي نقل عنه زواره لاءات ثلاث، الاولى أبلغها الى النائب عبد الرحيم مراد بأن لا وزيرا سنيا لقوى 8 آذار اذا لم يكن يمثل اللقاء التشاوري حصرا، والثانية نقلها عنه النائب علي بزي بشكل ملطف، وهي الدعوة الى تأجيل القمة الاقتصادية العربية، لانه في ظل حكومة تصريف الاعمال فان التمثيل العربي سيكون ضعيفا ولن يتعدى وزراء الخارجية او الاقتصاد، في حين نقل آخرون عن بري في الإطار نفسه ان ″لا قمة اقتصادية عربية في لبنان، من دون مشاركة سوريا″، اما الثالثة فكانت بمثابة جو عام في عين التينة، لجهة ان ″لا حياة لمن تنادي″ على صعيد تشكيل الحكومة والتي أصبحت فعل ماضي ناقص.
لاءات بري أدخلته الى ساحة الصراعات من بابها الواسع، حيث اعتبر كثيرون ان هذه اللاءات هي لتشكيل مزيد من الضغط على رئيسي الجمهورية والحكومة لإنجاز الحكومة قبل موعد القمة العربية، في حين وجد فيها البعض رسالة إيجابية عابرة للحدود، وبداية مواجهة مع الرئيس عون الذي يصر على أن تكون القمة في موعدها.
امام هذا الواقع يبدو واضحا ان الحكومة “طارت” وان كل التجاذبات الحاصلة من شأنها ان تؤدي الى مزيد من التأخير، بانتظار ان يقرع جرس التأليف اقليميا.
يقول احد المطلعين: ″ان الأبواب كانت موصدة امام حكومة الرئيس تمام سلام التي دخلت شهرها الحادي عشر من التجاذبات والصراعات السياسية على المكاسب والحصص، وفجأة حصل هناك تواصل أميركي – إيراني نتج عنه ولادة حكومته، حتى ان السفيرة الاميركية آنذاك أبلغت الرئيس سلام بأننا ″ساهمنا بولادة حكومتك″.