في الكواليس الإقتصادية والمالية كلام كثير لا يرغب أهل المهنة والخبراء بنشره وتسليط الضوء عليه، منع من بلوغ مرحلة فقدان الثقة بالمرجعيات وبالمؤسسات الدستورية والسلطات التي لم يكتمل عقدها بفقدان السلطة التنفيذية التي ينبغي أن تكون الى جانب السلطتين التشريعية والقضائية في إدارة شؤون البلاد والعباد.
ومن هذه الخلفيات يكشف أحد الخبراء الإقتصاديين المتهم بمحاباة أهل السلطة والذين يدورون في فلكها عن كثير من الحقائق التي لا يمكن البوح بها حتى هذه اللحظة، على رغم انها باتت موثّقة في ادراج اهل الحكم والقادة السياسيين والحزبيين على حدٍّ سواء. فهي، في رأي هذا الخبير تحمل كثيراً من المؤشرات الخطيرة نتيجة التطورات السلبية المرتقبة في المنطقة والعالم، والتي يمكن أن تنعكس في لحظة ما على الساحة اللبنانية غير المهيّأة لمواجهة أيِّ استحقاقٍ كبير قد يكون ضاغطاً ومفاجِئاً.
ويضيف: «من سخرية القدر أنّ الدولة بكل وزاراتها ومؤسساتها المعنية بإدارة شؤون الناس عجزت عن مواجهة عاصفة ثلجية وماطرة ضربت لبنان في عزّ موسم الشتاء بأقلّ الإجراءات الوقائية التي يمكن اتخاذُها. فلم يُفلحوا في تجنيب اللبنانيين من مختلف المناطق الساحلية والجبلية ما عانوه من قهر وذلّ منذ ثلاثة أيام ليرفعوا من نسبة فقدانهم الثقة بالدولة والمؤسسات الى الحدود الدنيا».
ويبرّر الخبير نفسه بعضاً من التقصير الكبير الذي فضحته العاصفة «نورما» بأيامها الأربعة، فيقول: «إنّ بعض الظواهر الطبيعية قد يكون أقوى من كل الهيئات والمؤسسات المُكلّفة إدارة الكوارث الطبيعية في دول كثيرة من العالم. فللطبيعة قوة لا يستطيع البشر أن يواجهوها أيّاً كانت قدراتُهم والدلائل كثيرة.
فلا ينسى أحدٌ ما عبّرَ عنه الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما عندما قال يوماً من إحدى المناطق المنكوبة في ضواحي نيويورك التي ضربها إعصار «ساندي» في اليوم الأخير من تشرين الأول 2012، «إنّ عظمة الولايات المتحدة الأميركية انهارت امام غضب الله والطبيعة».
وعلى رغم أنّ تجارب الولايات المتحدة الأميركية مع الأعاصير لا يمكن مقارنتُها مع ما شهدته أي دولة في العالم، فإنّ من المعيب الإشارة الى أيِّ وجهِ شبهٍ بين تلك الأعاصير وعاصفة «نورما» التي ضربت لبنان أخيراً. فالتاريخ لا ينسى الإعصار «كاترينا» الذي دمّر مدينة نيواورليانز في آب 2005 وبلغت كلفته أكثر من 160 مليار دولار.
ورغم ذلك سينسى اللبنانيون ما تركته «نورما» من فضائح تطاول البنى التحتية الهزيلة في لبنان والتغاضي عن المخالفات المرتكبة على ضفاف الأنهر والفشل في تدبير المواجهة المطلوبة مع حالات طبيعية بأقل الأثمان الممكنة.
لكنّ الأدهى من طريقة مواجهة عاصفة «نورما» يكمن في الإشارة الى الفشل في تأليف الحكومة العتيدة، على رغم إدراك المكلفين هذه المهمة ومعهم معظم اللبنانيين مدى الحاجة الى حكومة كاملة الأوصاف الدستورية لمواجهة المخاطر التي تتهدّد البلاد على اكثر من مستوى اقتصادي واجتماعي، وربما أمني.
فهم يتلهّون بطروحات لا يمكنها النجاح لما فيها من أفخاخ ومكائد ومن ألاعيب سياسية للفوز بهذه الحقيبة الوزارية أو تلك، أو بحثاً عن «الوزير الملك المفقود» الى الآن والذي يمكن تسميته وتحديد دوره مسبقاً إنهاء ملف التشكيلة الحكومية المنتظرة.
ولا يخفي الخبير الإقتصادي غضبَه من تجاهل المسؤولين للمخاطر التي تستهدف لبنان، فإلى برامج العقوبات التي تطاول «حزب الله» وأصدقاء إيران اللبنانيين، لم يتفهّم احد بعد حجم الخطر المتأتي من وجود بوادر مؤامرة دولية على لبنان تستهدف لقمة عيش أبنائه وعملتهم الوطنية عبر استهداف مجموعة من مصارفه.
كذلك لم يتفهّم المكلّفون تشكيل الحكومة ومعرقلوه بعد إصدار إحدى المؤسسات المالية الكبرى من مجموعة «غولدمان ساكس» المصرفية الاستثمارية تقريراً عن إجراءٍ وهميّ، يمكن لبنان أن يلجأ إليه يوماً في حال تدهورت أوضاعه المالية تحت عنوان «ماذا لو اضطر لبنان الى هيكلة ديونه».
وهي خطوة اثارت كثيراً من المخاوف الى حدود الهلع نتيجة ما قد ترتّبه ـ لمجرد التذكير بها - على المستثمرين الأجانب خصوصاً وعلى المصارف اللبنانية جراء تناقص إمكان استرداد سندات «اليوروبوند» بقيمتها الأصلية من الذين قد يحصلون على 35 سنتاً في مقابل الدولار الاميركي الواحد المكتتب به في تلك السندات.
والأخطرـ يقول الخبير الإقتصادي ـ أنه على رغم استبعاد وصول لبنان الى هذه المرحلة، هو ما تضمّنه التقرير من إشارات خطرة تتعلّق بالنظام المالي والمقرضين المحليين، وتسليط الضوء على غياب الاستقرار السياسي والاقتصادي والمالي في لبنان وهو ما يلامس نتائج الإهمال في تشكيل الحكومة والتلهّي لأشهر عدة بقضايا خارجة عن المنطق والقانون والدستور والحياة السياسية في أيِّ بلد في العالم.
وينتهي الخبير الإقتصادي الى القول إنّ تجاهل المسؤولين عن تأليف الحكومة ومعرقليه كل هذه المعطيات يُنذر بكثير من العقوبات الخطيرة التي لا يمكن توقعها كاملة منذ الآن، على رغم أنّ البعض مما هو خطير ومقلق بات بادياً منذ الآن وقد لا يطول انتظاره قياساً على حجم التوقعات بفشل مساعي التأليف في الأشهر لا الأسابيع والأيام المقبلة.