رأى بيان المطارنة الموارنة بعد الاجتماع الشهري في الكرسي البطريركي في بكركي، برئاسة الكردينال مار بشارة بطرس الراعي، أن "أمام تفاقم تدهور الأوضاع المعيشية والحياتية والاقتصادية في البلاد، وانعكاسات ذلك على التزاماتها الدولية وقضاياها الداخلية والإقليمية المُلِحّة، يتوجّهُ الآباء بنداءٍ حارّ إلى القيِّمين على شؤون الدولة، بوجوب تخطّي كلّ العوائق السياسيّة وغير السياسيّة التي تحول حتى الآن دون تشكيل الحكومة، والتوافق سريعًا على صيغةٍ لها تكون قادرة على مواجهة التحديات، ولاسيّما الإصلاحات في الهيكليات والقطاعات، وتوظيف أموال مؤتمر "سيدر" من أجل النهوض بالاقتصاد، والحدّ من العجز المالي وتفاقم الديون، وإيجاد فرص عمل، وإخراج الشعب من فقره.
وأكّد الآباء ان بعد أن أثبتت الطبقة السياسيّة، بسبب من تضارب مصالحها، فشلها في معالجة قضايا الدولة والمجتمع، على دعوة صاحب الغبطة الى تشكيل حكومة مصغّرة من اختصاصيّين مستقلّين، مشهود لهم بنظافة الكفّ والضمير، قادرين على تولّي المهمّة الإنقاذيّة المطلوبة قبل انهيار الهيكل على الجميع. ويدعون بدورهم الجهات السياسيّة الى صحوة ضمير عاجلة، لا بدّ من أن تفضي بهم الى استجابة مطالب الشعب، مصدر السلطات كلّها، وإعلان توافقهم على ما يرجوه ويتوقّعه منهم.
وانتقد البيان وخلافًا لمنطوق الدستور والقانون، الكلام المتداول عن سوابق وفتاوى تتناول الآن تمرير الموازنة العامة، بدلاً من استبدال العلاجات الموضعيّة بالعلاج الأساسي، ألا وهو اكتمال عقد السلطات الدستورية، وتحمّل مسؤولياتها. وتقلقهم ممارسات آخذة بتحوير الخصوصية اللبنانية التي يكرّسها الدستور والميثاق الوطني، وهي قائمة على العيش المشترك وتقاليده، وعلى الاحترام المتبادل، وصون الحرية الشخصية، ومطلقية حرية المعتقد، وفقًا لمقدّمة الدستور (ي) وللمادّتين الثامنة والتاسعة.
واعتبر الاباء ان إن نزول المواطنين إلى الشارع احتجاجًا على الحال المُزرِية التي يُعانونها، إنّما هو تعبير عن غضبٍ شعبيّ عام، يتفهّمه الآباء ويُؤيِّدون مضامينه في إطار القانون والشرعيّة الدستورية. وقد أدّت الأوضاع الإقتصاديّة الى زعزعة النسيج الإجتماعي، فتراجعت القدرة الشرائيّة لدى معظم المواطنين، واضطرّ أكثرُ من ألفَي مؤسسة وشركة الى إقفال أبوابها وصرف العاملين فيها، وازدادت أعداد العاطلين عن العمل والمدفوعين الى الهجرة، وتعرّضت الطبقة الوسطى، التي تشكّل عادة العمود الفقري في الدورة الإقتصادية، الى الذوبان، وأضحت الطبقة الفقيرة تلامس الـ40 % من الشعب اللبناني، بحيث تراجعت مدَّخرات العائلات الى حدود التلاشي، فأصبحت في مهبّ الريح أمام أيّ حادث صحّي او اجتماعي. فهل يجوز، والحالة هذه، ترك البلاد بدون حكومة منذ ثمانية أشهر، وتهاون المسؤولين في حمل مسؤولياتهم، بدون حسيب او رقيب؟
ودعا البيان في الختام الى تكثيف الصلاة وأعمال المحبة والتضامن مع المحتاجين، ويناشدون مجدّدًا جميع المسؤولين أن يقوموا بمسؤولياتهم بضمير حيّ، وحس وطني، وشجاعة تجعلهم يتخطّون حدود أنانياتهم ومصالحهم الضيّقة، سائلين الله أن يجعل السنة الجديدة سنة بركة ومحبة وسلام على وطننا ومنطقة الشَّرق الأوسط المعذّبة والعالم.