تسبب إعلان لوزارة الخارجية الإسرائيلية، الاثنين، في حرج بالغ لساسة عراقيين، اضطروا إلى إصدار بيانات تنفي أنهم زاروا تل أبيب، في وقت يميل فيه مراقبون محليون إلى اعتبار أن تلك الزيارات لم تكن مجهولة ولا بمبادرات شخصية وأنها موجهة لخدمة الأطراف المهيمنة في بغداد بشكل أو بآخر.
وقالت الخارجية الإسرائيلية إن ثلاثة وفود عراقية، زارت إسرائيل خلال العام الماضي، فيما نشر محلل إسرائيلي، قائمة بأسماء ساسة عراقيين، بينهم نواب في البرلمان، قال إنهم كانوا ضمن الوفود الزائرة.
وتضمنت القائمة التي نشرها المحلل الإسرائيلي إيدي كوهين، أسماء أربعة نواب عراقيين، هم أحمد الجبوري وعبدالرحيم الشمري وعالية نصيف وخالد المفرجي، فضلا عن نائبين سابقين هما أحمد الجربا وعبدالرحمن اللويزي.
وسارعت جميع الشخصيات التي وردت أسماؤها في القائمة، إلى نفي خبر زيارة إسرائيل، فيما اندلع جدال واسع بشأن دوافع تل أبيب لمثل هذا الإعلان.
وحاول متحدث باسم الخارجية الإسرائيلية أن يحذر المحلل كوهين من تداعيات الكشف عن أسماء الساسة العراقيين الذين زاروا إسرائيل، لكنه من وجهة نظر مراقبين عراقيين أسهم في إثبات الخبر وليس نفيه.
وطالب نائب رئيس البرلمان العراقي، حسن الكعبي، لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان، بالتحقيق في هذه المزاعم، فيما لزمت الخارجية العراقية جانب الصمت.
وبغض النظر عن سيل الاتهامات التي وجهها الساسة العراقيون الذين وردت أسماؤهم في القائمة، إلى إسرائيل، بداعي محاولة استغلالهم لترويج مزاعم مزيفة عن خطط التطبيع العربي معها، فإن الخبر نفسه، تحول إلى مادة للسجال في مواقع التواصل الاجتماعي، فيما استغلته وسائل إعلام عراقية موالية لإيران، لإثبات وجهة نظر طهران إزاء خطط بعض الأطراف لبدء علاقات رسمية مع تل أبيب.
ولا تعدّ الزيارات التي يقوم بها الساسة العراقيون، وفودا وأفرادا إلى إسرائيل أمرا جديدا. فقد كان النائب السابق مثال الألوسي هو الأشهر في مجال الدعوة إلى تطبيع العلاقات بين الجانبين. وبالرغم من أن القوانين العراقية السارية تمنع القيام بمثل تلك الزيارات غير أن الظاهرة استمرت من غير أن تتصدى لها الجهات المعنية، بما يؤكد أن المسألة لا تتعلق بالتسيب أو حالة الفوضى السياسية السائدة في العراق بل تعني وجود موافقة رسمية ضمنية من خلال غض النظر بحثا عما يمكن أن تدره تلك الزيارات من منافع على طرف ثالث، هو إيران التي لم تتدخل لمنعها بالرغم مما نعرفه من هيمنتها على الحياة السياسية في العراق.
وتفجرت هذه القضية، بعد أيام قليلة، من ضجة قادتها أحزاب عراقية موالية لإيران، ضد وزير الخارجية العراقي محمد الحكيم، بعدما أدلى بتصريحات تؤكد دعم العراق لحل الدولتين في الأراضي الفلسطينية المحتلة. واضطر الوزير العراقي، إثر هذه الضجة، إلى إصدار بيان يوضح فيه ثوابت العراق، والتزامه بالقرارات العربية المتعلقة بالقضية الفلسطينية.
وكما يبدو فإن الحكومة العراقية لا تملك موقفا سلبيا من تلك الظاهرة التي لا تعتبرها فضيحة لها، بدليل أنها تركت الباب مشرعا على المفاجآت وكأن الأمر لا يعنيها في شيء. وهو ما يكشف أن تلك الزيارات ما كانت لتتم إلا من خلالها وبعد موافقتها.
ويقول مراقبون إن طهران تستخدم أذرعها لتقول أنا هنا، كلما تعلق الأمر بملف العلاقات العربية الإسرائيلية، موهمة بأنها الخصم الوحيد لإسرائيل، وأن خصومها العرب متواطئون مع تل أبيب.
ومن الواضح أن “ملف التطبيع″، هو “مادة رئيسية في الدعاية الإيرانية المضادة”، فيما تحوّل العراق إلى منصة رئيسية لنشر هذه الدعاية.
ويؤكد مراقب سياسي عراقي أنه من الثابت أن إيران هي الجهة التي تسعى إلى الاستفادة من ظاهرة تسريب أخبار التطبيع، فمن خلالها يمكن لطهران أن تتبادل الرسائل مع إسرائيل في وقت لاحق من خلال التمهيد لقيام سياسيي الواجهة العراقية بزيارات لإسرائيل في المستقبل، مشددا على أن الزيارات الحالية هي مجرد محاولة للاختبار ليس إلا.
وأضاف المراقب في تصريح لـ”العرب” أنه من المستبعد أن تُستعمل تلك الزيارات لإدانة سياسيين بعينهم وذلك للحرج الكبير الذي يمكن أن يسببه أولئك السياسيون للحكومة التي هي على علم بما قاموا به. ورجح أن ترى الحكومة العراقية في الشفافية التي يتم من خلالها تداول أخبار تلك الزيارات عملا غير مبرر ولا يعبّر عن موقف إيجابي.
ولا يبدو من قبيل الصدفة أن وجود المئات من المتابعين العراقيين للصفحات والحسابات الإسرائيلية الناطقة بالعربية على مواقع التواصل الاجتماعي.
وعندما تصاعد الجدل، الاثنين، بشأن زيارة ساسة عراقيين إلى إسرائيل، عبر مدونون عراقيون علنا، عن ضرورة فتح النقاش في هذا الملف، والتبين ما إذا كان وجود علاقات عراقية إسرائيلية، أمرا ضروريا لمصالح البلاد، منتقدين “المزايدات السياسية” في هذا الإطار.
وينشر مدونون عراقيون أخبارا وصورا وتسجيلات، عن تطلعات اليهود العراقيين المقيمين في إسرائيل، ورغبتهم في التواصل مع الوطن الأم، ما يثير تعاطف الكثير من المتابعين.
ولا يجرؤ البرلمان العراقي، حتى الآن، على إعادة النظر في قانون يسقط الجنسية عن اليهود العراقيين صدر العام 1950، بالرغم من تعارضه مع اللوائح الدولية لحقوق الإنسان.