لا شيء يفسّر اليوم صمت الحريري سوى انتظاره مبادرة من جانب «حزب الله» تتكفّل بتمهيد الطريق أمام صدور مراسيم الحكومة. يبدو الرئيس المكلّف كمن «قام بالواجب وأكثر»، وهو لا يتوقع سوى ملاقاته الى منتصف الطريق: لا تنازل ولا اعتذار، هو أصلاً غير مطروح حتى إحتمالاً... و»سيدر» بيننا!
وخلافاً لكل ما يروّج، يبدو الحريري على الموجة نفسها مع عون والوزير جبران باسيل. ويمكن الركون الى موقف سابق لعون، هو الأصدق وفق ما يؤكّد قريبون منه، حين أشار بلا التباس في التفسير الى أنّ «التكتيكات» السياسية تفتح ثغرة قد تضرب الوحدة الوطنية». ثم أعقب ذلك بحديثه قبل أيام عن «خلافات في الخيارات السياسية، لا تزال تعرقل تشكيل الحكومة»، وسانده باسيل في إشارته الى «من يحاول تسجيل مكتسبات سياسية معيّنة أو تغيير في النظام، وهذا ليس توقيته ولا مناسبته».
هذه «التكتيكات» التي يديرها «الحزب»، في رأي عون، تؤخّر ولادة حكومة عهده الأولى أشهراً إضافية، وإن عَاب على الحريري في الأساس عدم اعتماد معايير موحّدة لتمثيل الكتل في الحكومة. أما في قاموس الحريري، فتنسف هذه التكتيكات «مشروعه الإصلاحي» الذي لا يمكن أن يرى النور وسط حكومة «يحكمها «حزب الله».
بهذا المعنى لا يزال الحريري متمسّكاً برفضه توزير سنّي، في حكومة ثلاثينية، يرفع حصّة الثنائي الشيعي الى سبعة وزراء. والمعلومات تفيد في هذا السياق، انّ جواد عدرا بتموضعه الأقرب الى عون، بدا الحلّ السحري الذي صاغه الحريري وباسيل بداية ثم تكفّل الحزب، حسب تأكيد «المستقبليين»، بتطييره بعد تأمين الغطاء التمويهي له.
وفق المعطيات، لا شيء يدلّ الى أنّ صمت الحريري سيُكسَر قريباً. فداخل كتلة «المستقبل» النيابية من يحدّد قواعد الاشتباك في وضوح: مرتان كادت الحكومة أن ترى النور لكنها نُسفت من جانب «حزب الله»، أولاً، يوم تخلّى عن سياسة التفرّج والايحاء أنّه «الأكثر تسهيلاً» باختراع عقدة تمثيل «اللقاء التشاوري»، ولاحقاً، حين سقطت «تسوية» جواد عدرا، مستخدماً أعضاء «اللقاء» لتحقيق هذا الهدف. واليوم لا شيء إضافياً يفعله أو يقوله الحريري، ومن اخترع الأزمة تقع عليه مسؤولية حلّها».
بالمنطق نفسه، لا يجد الحريري نفسه معنياً بالردّ على كل الاتهامات التي تطاوله، بأنّه يتخلّى عن صلاحياته ويترك للآخرين مهمّة تشكيل حكومته، «فهذا الأمر قد يكون مقبولاً لو وقف الحريري خلال الأشهر السبعة الماضية مكتوفاً. لكنه عملياً، وصل الليل بالنهار منذ اليوم الأول للتكليف، وبذل جهداً إستثنائياً لتأليف الحكومة. واليوم يأتي من يقول إنّ الحريري «يتفرّج.. هيدي ما بتركب على قوس قزح»، حسب مصادر كتلة «المستقبل».
آخر الكلام، الحريري يبدو غير قابل للنقاش. فحكومة الـ 32 وزيراً، وفق تأكيد مصادر «المستقبل»، «تفنيصة يستحيل السير فيها. لقد بذل الحريري جهداً كبيراً في شأن مشروعه الإصلاحي «سيدر» وشرحه بإسهاب. فهل تكون الخطوة الأولى لحكومته زيادة الكلفة على الدولة والغَرف من موازنتها بزيادة عدد الوزراء إرضاء لأطراف معينة؟».
في المقابل، تنفي المصادر عينها «ضغط باسيل على الحريري للسير بهذا الخيار»، مؤكّدة «أنّ لا أحد يستطيع أن يضغط على الحريري. فالرئيس المكلّف يعرف صلاحياته ويمارسها، لكن هناك من لا يزال يصرّ على نسف جهوده».
ويتمسّك «الحريريون» بمعادلة «من اخترع المشكلة عليه أن يحلّها. الحريري أعطى كل شي يمكن أن يُعطى، وأي خطوة إضافية هي بمثابة انتحار له على مستويين:
ـ الاول، استراتيجي، فليس إبن رفيق الحريري من «سيذبح» إتفاق الطائف.
ـ الثاني، تكتيكي «لانّ الحريري، ومنذ اليوم الأول للتكليف، تبنّى خيار حكومة وفاق وطني لكي يجلس الجميع الى طاولة القرار، ليس لانّه يهوى هذا النوع من الحكومات، بل لأنّه يريد أن ينفّذ مشروعاً إصلاحياً استثمارياً بعنوان «سيدر»، يشكّل خشبة خلاص وحيدة للبلد، رسمه بيده وحصّنه بموافقة داخلية عليه، وفتح له الطريق الى باريس وأمّن له التمويل».
في هذا السياق، يبدو أنّ خيار الحريري بالانصياع الى طلب «حزب الله» بتوزير محسوب عليه حصراً، وباقتطاع مقعد سنّي من حصّة رئيس الجمهورية، كان يُفترض أن يذهب الى شخصية سنّية غير محسوبة على «محور الممانعة»، لن يكون سوى رسالة للأميركيين والخليجيين، مفادها أنّ لبنان وحكومته تحت سيطرة «حزب الله»، وفق ما تؤكّد مصادر كتلة «المستقبل».
وهكذا، فإنّ من يفترض أنّ الحريري قد يتراجع خطوة الى الوراء، بقبول التنازل من حصّته أو قبول توزير شخصية محسوبة شكلاً ومضموناً وعدداً على «حزب الله»، ما يكرّس فرضية أنّ التوقيع الثالث في يده، سيشكّل في رأي المصادر عينها، نحراً لهذا المشروع الاصلاحي وللحريري نفسه!
المصادر عينها تعيد التذكير بما سبق للحريري أن أعلنه يوم مواجهته بورقة تمثيل سنّة المعارضة في الحكومة بالقول: «فتّشوا عن غيري»، دلالة على رفضه القاطع التنازل الى حدّ «نسف» الهدف الأساس لحكومته. فسَاد الصمت طويلاً لدى «حزب الله» الى أن شَهَر مجدداً سيف التعطيل».
لكن وفق المعطيات، فإن تصلّب مواقف الطرفين لم يمنع إستمرار التواصل بين «بيت الوسط» و»حزب الله»، حيث بقيت الخطوط «شغّالة» من دون أن تفضي حتى الآن الى إيجاد صيغة لا تكسر الحريري ولا توحي بخسارة السيد حسن نصرالله معركة خاضها شخصياً، حين أكّد في خطاب 11 تشرين الثاني الماضي وقوفه الى جانب النواب السنّة الستة «الى قيام الساعة».
وفيما يبدو الحريري غير آبه بنيل باسيل 11 وزيراً «طالما انّ المطلوب حكومة مُنتجة تُساهم في المشروع الإنقاذي الاصلاحي»، فإنّ تعقّد الأزمة ووصول القوى المعنية بالتأليف الى الحائط المسدود يدفعان مصادر «المستقبل» الى الجزم بأنّ «البلد لم يعد يحتمل مزيداً من فترة تصريف الاعمال». فيما كان لافتاً إشارة بيان «تيار المستقبل» الصادر عن إجتماع «الكتلة أمس، الى أنّ «هذا الاقتراح سيكون محل دراسة ومتابعة للتوصل الى القرار الذي يتلاءم مع مقتضيات الدستور والمصلحة العامة، لاسيما مع رئيس حكومة تصريف الأعمال، المعني بتحديد وجهة القرار قي هذا الشأن».