يصرّ لبنان المنظّم للقمّة الاقتصادية العربية المقررة في 19 و20 من الشهر الجاري في مجمع «بيال» وسط بيروت، على استكمال تحضيراته لها، كي تنعقد في افضل الظروف التي يمكن ان تتجاوز بما هو مقرّر من خطوات وإجراءات في شأنها، القمم المشابهة التي استضافتها دول عربية أخرى، من خلال إثبات القدرة اللبنانية على تنظيم مثل هذه التظاهرة العربية الكبرى وما يرافقها من حضور دولي، من ضيوف ومراقبين، لتبقى حاضرة في أذهان المشاركين فيها الى حين انعقاد القمة التي تليها في السنة المقبلة.
وفي ظل الظروف الضاغطة التي تعمل فيها اللجنة المُنظمة للقمّة على مختلف المستويات التنظيمية والإقتصادية والإدارية، يناقش المشرفون عليها يومياً التقارير الواردة من الأمانة العامة للجامعة العربية ومعظم العواصم العربية التي ستشارك فيها، ترقباً لحجم المشاركة فيها، من دون الإطلاع حتى الآن على اي تقرير يتحدث عن تأجيلها. فالإهتمام الذي ابدته 17 دولة عربية، من خلال بعثاتها الديبلوماسية، وسلسلة الأسئلة التي وجّهتها بلدانها الى المراجع المعنية، تثبت ان لا تعديل في الموعد ولا نية لأحد بالتغيّب او المقاطعة، في انتظار البت بموضوع واحد ما زال يلقى اهتماماً بالغاً في بيروت وبعض العواصم، وهو يتصل بالدعوة التي يمكن توجيهها الى سوريا للمشاركة في القمة والمعلّقة عضويتها في الجامعة منذ العام 2011.
وعلى رغم الإنقسام اللبناني الذي عكسه «الجدل البيزنطي» الذي تتقنه بعض المرجعيات السياسية والحزبية اللبنانية، يبرز الحديث الذي لا يخلو من تهديد ووعيد للبنان بالقول «ان لا قمة من دون سوريا». فالجميع يدرك - ومنهم اصحاب هذه الأقوال ومثيلاتها - انّ القرار بالدعوة الى هذه المشاركة لا يملكه اي لبناني في أي موقع كان. فلبنان وجّه الدعوات اليها باسم الجامعة العربية، ولو كان الوضع غير ذلك لكانت الأمور سلكت مسارات اخرى، كما عبّر عن ذلك وزير الخارجية نفسه الذي حمل اكثرية الدعوات الى العواصم العربية.
وقياساً الى حجم الإنقسام اللبناني الذي لم ولن يغيّر شيئاً في مسار التحضيرات للقمة، ترصد المراجع اللبنانية كمّاً من المساعي العربية لإشراك سوريا في القمة. فالى الموقف اللبناني الذي تفرّد به وزير الخارجية جبران باسيل، وحديثه جهاراً انّه لو كان القرار بيده لوجّه الدعوة الى دمشق للمشاركة في القمة، متجاوزاً بذلك موقف رئيس الحكومة سعد الحريري، المُعارض أي خطوة خارج إطار مؤسسات الجامعة العربية، فإن دولاً عربية أخرى تجهد لهذه الغاية، على رغم من أنّها لم تعبّر بعد عن اي موقف علني واضح.
وفي المعلومات، انّ نواة الحراك الذي اطلقه وزراء خارجية لبنان والأردن والعراق والجزائر قبل اي دول أخرى، بغية اعادة سوريا الى الجامعة عبر قمة بيروت، إنضمت اليه الكويت لاحقاً، في مسعى ديبلوماسي ما زال يجهد لهذه الغاية بلا جدوى. وعلى هامش الحراك يتحرّك الجانب المصري من دون اي موقف مُسبق تجاريه السعودية بصمت بالغ حتى الآن.
وتزامناً، وعلى رغم إعادة فتح سفارتها في دمشق، لم يُرصد أي حراك لدولة الإمارات العربية المتحدة في هذا الإتجاه، في ظل صمت مماثل للبحرين. فيما سُجّل غياب تام لموقف واضح من سلطنة عمان، التي اعتادت ان تقود المبادرات الجامعة، ومعها قطر التي ما زالت غائبة عن مساعي إعادة سوريا، في وقت يتردد انّها تسعى الى العكس بقوة من خلال الكواليس الديبلوماسية، وتعتبر انّ سوريا ما زالت بعيدة من استعادة موقعها في العالم العربي قبل بلوغ مرحلة الحل السياسي.
والى جانب المساعي العربية التي لم تصل الى اي نتيجة، ادّت الخلافات الى تطيير إجتماع الجامعة على مستوى المندوبين امس في القاهرة، حيث أُرجىء الى غد الأربعاء للبحث في جدول اعمال اوسع من دعوة سوريا الى قمة بيروت، بحيث يشمل محطتين عربيتين أُخريين. فبالإضافة الى الجدول المقرّر سيتناول البحث موضوع «القمة العربية - الأوروبية» المقرّرة في شرم الشيخ في 24 و25 شباط المقبل، والقمة العربية السنوية الدورية المقرّرة في الأسبوع الأخير من آذار المقبل.
والى ان ينجلي غبار المواجهة بين رافضي إعادة سوريا الى الجامعة ومؤيّديها، يبقى من الأجدر إنتظار لقاءات الغد، وسط اعتقاد بصعوبة البت بقرار إعادة سوريا سريعاً. فالمواقف المبدئية لا توحي بتفاهم عربي شامل، في ظل رفض سعودي كبير وتردّد مصري اكبر وتريث دول الخليج العربي، وهو ما يوحي بأن لا قرار بدعوة دمشق الى قمة بيروت. اما بقية القمم المنتظرة في الشهرين المقبلين فهي شأن آخر، إذ هناك الكثير من الظروف الإقليمية التي لم تتضح بعد. ولربما انتهى النقاش الى إعادة البعثات الديبلوماسية الى سوريا لمن يرغب، في انتظار البت بمصير مشاركتها في القمم العربية المقبلة.
وقبل بلوغ المرحلة الحاسمة من عودة سوريا او عدمها، لا يرى المسؤولون اللبنانيون اي علاقة بين عقد القمة ووجود حكومة مكتملة الاوصاف الدستورية. فرئيس الجمهورية موجود، وكذلك رئيس الحكومة، وما هو مطلوب من لبنان متوافر بكل المقومات الدستورية. ولذلك، فانّ الهمّ اللبناني محصور الآن بحجم التمثيل الذي يمكن ان تقرّره بعض الدول على مستوى رؤساء الوفود.
فهل يحضر الملوك والرؤساء العرب؟ ام ينحدر مستوى التمثيل الى ما هو ادنى؟ فالقمة التي بلغت كلفة التحضير لها نحو 22 مليار ليرة لبنانية، لا يمكن إلّا وان تأتي بثمارها. وانّ التجييش من الداخل اللبناني، يبقى هو الأسوأ من كل المواقف الخارجية الأخرى. فهل يُعقل ان يكون هناك في لبنان اليوم من يرغب بإحباط بلده في إدارة اعمال القمة وتنظيمها؟ انه سؤال بلا جواب في ظل الإنقسام اللبناني الذي لا علاقة له شكلاً أو مضموناً بالإنقسامات العربية الأخرى.