رضخت النائبة رلى الطبش لإرادة دار الفتوى في الجمهورية اللبنانية وللحملة التي استهدفتها من ناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي.
القصة أصبحت معروفة، فقد تناقلتها وسائل الإعلام.
فخلال حضورها قداسا "للمحبة والسلام"، "تقدمت إلى الكاهن لكي تتناول القربان، لكن الكاهن لم يناولها بل اكتفى بوضع الكأس على رأسها" (جريدة النهار )، مما ادى إلى تنظيم حملة ضدها لأنها "مارست طقوسا لا تمت الى الإسلام بصلة".
على أثر هذه الحملة زارت النائبة الطبش دار الفتوى، وهي مواطنة مسلمة، عضوة في "كتلة المستقبل" النيابية.
في دار الفتوى استمعت الطبش إلى شرح عن الاصول الشرعية الإسلامية.
واكدت في بيان "انها ملتزمة الاسلام ونطقت بالشهادتين امام أمين الفتوى لاعتزازها بدينها الاسلامي وبمرجعيتها دار الفتوى، وان ما حصل معها لم يكن مقصودا، واعتذرت من الله عز وجل عن ذلك، وشكرت كل الذين وقفوا معها في هذا الامر العابر" (النهار).
ردود الفعل الإعلامية والشعبية على اعتذار الطبش، تركزت على انتقاد الجو الطائفي الذي رافق سلوك الطبش في القداس، كما على انتقاد الطبش نفسها لخضوعها للمرجعيات الدينية، ولا سيما انها كنائبة من المفترض ان تمثل الأمة وليس طائفة معينة، فضلا عن غرابة اعتذارها لله وهو واحد بالنسبة إلى الاديان السماوية.
يمكنني ان أضيف انتقادات أخرى إلى النائبة التائبة والى البيئة الطائفية التي نعيش فيها. لكن هذا اصبح تكرارا لما يتداوله اللبنانيون، طائفيين وغير طائفيين، صباحا ومساء.
ما يهمني أكثر هو التأمل في سلوك السيدة الطبش ما قبل خضوعها واعتذارها.
ليس جديدا ان يشارك سياسيون مسلمون في القداديس. لكنهم يشاركون عادة في المناسبات الدينية ذات الطابع الوطني العام وفي الاعياد، أو في عرس او جنازة.
الواجب الوطني او الاجتماعي هو الدافع للمشاركة، وليس التفاعل الديني.
مشاركة السيدة الطبش اتت في إطار آخر ولأغراض مختلفة. فالقداس الذي شاركت فيه هو من أجل "المحبة والسلام". وأول ما يتبادر الى الذهن عندما نتكلم عن المحبة والسلام في لبنان، هو المحبة والسلام بين المذاهب والطوائف.
اذاً، منذ البداية، قررت السيدة الطبش المشاركة في قداس يدعو إلى التفاعل الديني.
لكن الأهم من ذلك، هو انها تقدمت إلى الكاهن عندما حان وقت المناولة، مثلها مثل المسيحيين الحاضرين.
السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو لماذا فعلت ذلك؟
في تصريح لها تقول انها بذلك كانت تريد ان تعبّر عن احترامها للدين الآخر.
لا شك في ان السيدة الطبش عبّرت بسلوكها عن احترام كبير للدين الآخر. لكن تعبيرها عن ذلك اتخذ شكلا، تعرف هي مثل غيرها، أنه قد يثير ردود فعل من أتباع ديانتها، وخاصة في بلد مثل لبنان.
ما الذي دفعها اذاً إلى هذه المخاطرة؟
هل ان جو "المحبة والسلام" الذي كان سائدا في الكنيسة، هو الذي خلق حالاً من الوعي او اللاوعي الجماعي الضاغط ادى إلى التماثل في سلوك الأفراد المشاركين؟
هل أرادت من خلال سلوكها إعطاء مثال حي وحسي لقبول الآخر المسيحي من قبل مسلمة؟
هل ما قاد حركتها هو "نزعة مسيحية" واعية أو لاواعية؟
لا اعرف السيدة الطبش، ولا أبالغ اذا قلت اني لا اعرف شيئا عنها، وهذا ما لا يساعدني على الاجابة عن تساؤلاتي.
لكن مهما كانت دوافع السيدة الطبش، ما قامت به هو من حقّها، وهو تعبير عن حرية المعتقد التي يكفلها الدستور.
وما قامت به يجب التوقف عنده اكثر، للتعرف على الوجه الآخر لهذه المرأة التي تجرأت قبل ان تستسلم وتخضع.
هذا الوجه الآخر هو ربما الوجه الآخر للكثير من اللبنانيين الذين يحاولون التفلت من طائفيتهم ثم يعودون ويرضخون.
واذا كنا في لبنان بتنا نعرف إلى حد ما الآليات، السياسية والدينية والاقتصادية والاجتماعية، التي تجعلنا نخضع لمستلزمات النظام الطائفي، الا إننا نحتاج إلى معرفة أعمق للحالات التي حاولت او تحاول التفلت من هذه المستلزمات، بنجاحاتها واخفاقاتها.
على الاّ تنسينا الإخفاقات، الحالات نفسها وظروف انبعاثها. لعلنا بذلك نعمل بوعي أكثر في المستقبل من أجل انجاحها وتعميمها.
يكفينا التركيز على الأمثلة التي خضعنا فيها.
فلنسلط الضوء اكثر على الأمثلة التي تجرأنا فيها.
مع العلم ان الرضوخ اللاحق لدى البعض لا ينفي جرأته السابقة.
التغيير هو وليد العلاقة الدائمة بين الاثنين.