عُرفت الثقافة بأنها سلوكاً اجتماعياً، ومعيار موجود في المجتمعات البشرية.
واعتُبرت كمفهوم وسمة للفرد وما يزرع به من مفاهيم ومستويات مثل التعليم والأخلاق والعلوم والفنون وغيرها.
وبالرغم من مقاصدها الإيجابية في التطوير وملائمة الحياة الإجتماعية لأي فرد، إلا أنها ما زالت تُستخدم سياسياً كأداة بين أيدي بعض النخب والنافذين للتلاعب في الطبقات الدنيا وخلق حالة تتناسب ومشاريع سياسية ودينية وطائفية، وعن قصد من خلال الإصرار على خلق وعي زائف، لدى بعض الطبقات ذات الولاء المطلق لهذا الحزب أو ذاك الزعيم أو تلك الطائفة، الأمر الذي يتعارض بشكل أو بآخر مع الحرية الفكرية من جهة، وبتغيير الكثير من العادات وربما الأنظمة والقوانين من جهة ثانية.
والأمثلة على ذلك كثيرة جداً في بلد متخم بالأحزاب والطوائف والزعامات، في بلد أصبح فيه الإنتماء الوطني جريمة أو خطيئة، وأصبحت فيه الهوية الوطنية صالحة فقط للإنتخابات، وفي بلد أصبح فيه الزعيم والحزب والطائفة فوق القانون والدستور والمؤسسات الوطنية.
إقرأ أيضًا: لماذا يخافون من الشارع؟
إنه لبنان الوطن الضحية لمجموعة من الثقافات الجديدة الخارجة عن المألوف وعن السياق الوطني السائد والمتعارف، كأن يطل منذ أيام وفي سابقة نادرة مدير عام ثانوية الصادق في بلدة عيتيت الجنوبية ليدعو في بيان موقع بإسمه أهالي طلاب الثانوية لإرسال أبنائهم إلى الثانوية يوم الأحد بدل الإثنين، في تحدٍّ واضح لقرار وزير التربية مروان حمادة الذي مدّد العطلة إلى يوم الإثنين.
وبغض النظر عن قرار من هذا النوع إلا أن الأسوأ في البيان هو المبررات التي أوردها المدير وهي أن الثانوية المذكورة تُثقّف طلابها سياسياً وتعبويّاً على نهج وخطى حزب الله لمجاهدة ومحاربة الفاسدين والمستكبرين والعملاء أمثال العميل الكبير الذي كان يدل الإسرائيليين على أماكن تواجد أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله من منزل إلى منزل إلى أن أوعز لهم بقصف مجمع الإمام الحسن (ع) في حرب (تموز - آب) ٢٠٠٦".
وأضاف البيان الذي عرّف المدير المذكور به عن نفسه بأنه ناشط في حزب الله، قائلاً: "وقد إستفاد هذا العميل الكبير بوشايته بالسيد حسن من الحقيبة الوزارية المهمة التي كان يحملها آنذاك والتي تخدمه في هذا المجال".
البيان سيبدو طبيعياً ربما لو أن سعادة المدير اقتصر في مبرراته على تعويض الدروس بعد العطلة الطويلة، إلا أن ما يلفت النظر إلى طريقة التحريض الخبيثة تجاه وزير التربية واستعادة ماضٍ عمره أكثر من ثلاثة عشر عاماً، في وقت كان الأجدى بمدير ثانوية هدفها التربية والتعليم أن يكون الخطاب أكثر انسجاماً مع مهنته ورسالته التعليمية بعيداً عن التحريض وربما الإفتراء.
إقرأ أيضًا: مظاهرات مطلبية أم عراضات إعلامية؟
هل أصبحت ثقافة التحريض التي يعتمدها حزب الله ضمن مؤسساته سياسة جديدة تُضاف إلى سجل التخوين والاتهامات بالعمالة وغيرها؟
وإذا كان الأمر كذلك كيف يمكن استنهاض مجتمع من خلال بث الحقد والكراهية والتحريض والإفتراءات إلى هذا الحد؟ والسؤال الأهم هو أي مجتمع يريد حزب الله؟ وأي تربية تلك التي يسعى إليها؟ وأي تعليم يريد؟ اذا ما أخذنا بعين الإعتبار سلسلة كبيرة من المفاهيم والسياسات التي يعمل عليها الحزب .
لبنان هذا البلد الصغير يتحول إلى ضحية لنمط التفكير الأحادي والحزبي، إلى ضحية هذه الثقافات الخارجة عن منظومة أخلاقية وإنسانية خاصة لدى الطائفة الشيعية بما تحمله في تراثها وتاريخها من قيم وأخلاق ومفاهيم قائمة على الإيمان بالآخر والتعددية والحوار والتلاقي.
إن سياسة التحريض لأهداف سياسية رخيصة لن تؤسس لمجتمع راقي بقدر ما تؤسس للمزيد من التناحر والطبقية والأحادية وهي أمر لن يعود على أصحابه إلا بالفشل الذريع.
ولأجل التربية والتعليم كان من المفترض أن يحاسب هذا المدير بما تقتضيه القوانين التربوية للمحافظة على الحد الأدنى من رسالة التربية والتعليم والحد الأدنى مما يجب أن يتمتع به أي مدير مهمته تربية الأجيال.