يسعى الرئيس المكلف سعد الحريري الى إنجاز حكومته بأقل الخسائر السياسية الممكنة، خصوصا بعدما فُرض عليه القبول بتوزير ممثل عن اللقاء التشاوري للنواب السنة المستقلين، حيث من المفترض أن تشهد حكومته الثالثة في حال أبصرت النور ممثلا عن سنة 8 آذار، وذلك لأول مرة منذ دخوله المعترك السياسي في العام 2005، وترؤسه حكومتين أو دعمه حكومات برئاسة مقربين منه.
في المقابل، فإن شريك الحريري في الحكم الوزير جبران باسيل يسعى بكل من أوتيَ من قوة ومن دهاء في سبيل الحصول على الثلث المعطل في الحكومة، وهو ثلث كان يتجه الحريري الى القبول به بداية، بالرغم من أنه يجعل باسيل شريكا له في الحكومة ويمتلك قرارها معه، لكن يبدو أن العلاقة بين الرجلين في تلك الفترة كانت أعمق بكثير، قبل أن يتدخل حزب الله ويفرض وزيرا سنيا من حلفائه، وهو بذلك أصاب عصفورين بحجر واحد، لجهة الوفاء مع حلفائه، وقطع الطريق على التيار الوطني الحر في الحصول على الثلث المعطل.
بالرغم من إدراك الوزير باسيل لاستحالة قبول الأطراف السياسية بحصوله على الثلث المعطل، وأن ذلك هو العامل الأساس في تأخير ولادة الحكومة، إلا أنه ما يزال يصر على الوصول الى هدفه المنشود، إعتقادا منه بأن هذا الثلث يجعله شريكا مقررا في الحكومة ويعبد الطريق أمامه الى قصر بعبدا، لذلك فإن باسيل قدم طروحات بالجملة، من دون أن يراعي حليفه الرئيس الحريري، لا سيما في توسيع الحكومة الى 32 أو 36 وزيرا، والذي يفرض على الحريري توزير شخصية علوية، الأمر الذي يرفض الرئيس المكلف السير به، وقد أبلغ رئيس الجمهورية ومن ثم اللواء عباس إبراهيم وكذلك الوزير باسيل بذلك، داعيا إياهم الى عدم إحراجه.
لماذا يرفض الحريري توزير علوي؟
يقتنع الحريري (بحسب مقربين) أن إعطاء مقعدا وزاريا للطائفة العلوية، هو بمثابة إشراك النظام السوري في الحكومة، حيث بنظره أن كل العلويين مهما كانت توجهاتهم وإنتماءاتهم ليسوا بعيدين عن سوريا، حتى أن العلويين الذين كانوا محسوبين على تيار المستقبل كانت علاقتهم بسوريا جيدة إنطلاقا من إمتداد إستراتيجي لا يستطيع أحد تجاوزه.
ويقول مطلعون على أجواء بيت الوسط: إن الرئيس المكلف لن يقوم بشيء لم يفعله والده من قبل، حيث أن الرئيس الشهيد رفيق الحريري لم يسجل على نفسه إعطاء مقعدا وزاريا للعلويين حتى في عز الوجود السوري وسطوته على لبنان، وهو اليوم أي الرئيس المكلف يجد أن توزير شخصية علوية من شأنه أن يكمل دائرة تنازلاته الأمر الذي سيكون له إنعكاسات سلبية جدا في شارعه الذي يرفض كثيرا من التنازلات التي يلجأ إليها الحريري تحت شعار طالحفاظ على أمن وإستقرار وإقتصاد لبنان”.
ويضيف المطلعون: إن الحريري اليوم في وضع لا يُحسد عليه، حيث أنه يواجه أزمة دعوة سوريا الى القمة الاقتصادية، وهو سيكون مضطرا للموافقة على دعوتها في حال قررت الجامعة العربية ذلك في الاجتماع الذي من المفترض أن يعقد يوم الأربعاء المقبل، كما أنه ينظر بكثير من القلق الى الانفتاح الخليجي على سوريا بعد فتح سفارة الامارات العربية المتحدة فيها، والحديث المتنامي عن لحاق بعض الدول الخليجية بالامارات وخصوصا السعودية بعد الاشارات الايجابية التي صدرت عن المملكة بهذا الشأن، ما سيفرض على الحريري التعاطي مجددا مع النظام السوري على غرار ما حصل في حقبة السين سين، وهو أمر من شأنه أن يضرب كل اللاءات السابقة التي أعلنها، وأن يخفض السقف الذي تمسك به طيلة الفترة الماضية الى أدنى مستوياته حيال الملف السوري، وبعد كل ذلك يأتي من يريد أن يدفع الحريري الى القبول بتوزير شخصية علوية.
يرى المطلعون أن توزير علوي في ظل هذه الظروف أمر غير وارد، إلا إذا طال التعطيل، ودخل مرحلة الخطر، وتمسك باسيل بدعم من حزب الله بتوسيع الحكومة، وتسارع الانفتاح الخليجي على سوريا، فإن ذلك سيضع الحريري أمام خيارين أحلاهما مرّ، ويصبح إدخال العلوي والسرياني الى الحكومة أهون الشرين.