لا يجهل كثيرون أن الكومبارس في التمثيليات المصورة هو الشخص الثانوي الذي لا أهمية كبيرة لدوره في العمل الفني، ويمكن الاستغناء عنه، ولكنْ لحشره في المشهد التمثيلي هدف واحد هو الإيحاء بالمناخ الطبيعي للصورة، لا أكثر ولا أقل.
وحين نتأمل واقع الطبقة السياسية العليا الحالية في العراق نفاجأ بأن صفة كومبارس أصدق ما يمكن إطلاقه على الجيوش الجرارة من المسؤولين الكبار والموظفين الصغار الذين يقومون بدور تمثيلي مرسوم لهم بدقة من قبل المخرج القابع في منصة القيادة.
أما الحالة الأولى التي كشفت ثانوية أدوار الرؤساء والوزراء والنواب في المنطقة الخضراء فهي مسألة استكمال تشكيل الحكومة، وعقدة وزارة الداخلية، وما رافقها من مناوشات ومشاكسات ومناورات وتهديدات لم تُلحق الضرر بسمعة هؤلاء الممثلين الكومبارس، وحدهم، بل بسمعة وطنهم وشعبهم، دون ريب. فالمخرج الإيراني يريد فالح الفياض وزيرا للداخلية، ولا يريده آخرون، من بينهم أولادٌ مخلصون لحضرة الولي الفقيه، ولكنْ مشاكسون يتحدثون عن وطنية عراقية، صدقا أو نفاقا أو سياسة.
والحقيقة أن إيران لا تتمسك بفالح الفياض حبا في سواد عينيه، بل من أجل تحقيق هدفين كلاهما يستحق منها العناد والحزم والقسوة إلى آخر نفَس.
أولهما الرغبة في استمرار جريان نهر المعلومات الأمنية الداخلية العراقية من بغداد إلى طهران بسلاسة ودون عراقيل ولا عقبات.
وثانيهما خوفُها من أن يُفسر انتصارُ أولادها المشاكسين الرافضين لإرادتها بشأن وزارة الداخلية بأنه انتصار لإرادة وطنية عراقية قد يُغري أطرافا عراقية غير منظورة بالظهور والمباشرة بإزعاج وكلائها وجواسيسها بحروب لا تريد خوضها، خصوصا في زمنها الصعب الجديد.
وإزاء عقدة من هذا الوزن ومن هذا النوع يتأكد أن الحكام العراقيين، رؤساءَ ووزراءَ ونوابا، ليسوا أكثر من كومبارس لا دور لهم غير انتظار نهاية مسابقة جر الحبل بين قاسم سليماني وهادي العامري ونوري المالكي وقيس الخزعلي، من جهة، وبين مقتدى الصدر وعمار الحكيم وحيدر العبادي، من جهة أخرى.
أما السنة العراقيون والأكراد فليس لهم نصيبٌ ذو قيمة في كل هذه المنازلة المحزنة بين أسد الغابة وأشباله الصغار.
ألم تروا رئيس الوزراء القادم باسم التغيير واجتثاث الفساد والفاسدين لا يفعل سوى إطلاق الكلام المنمق الجميل، ولكن البعيد عن العصب الحساس.
أما رئيس مجلس الأمة، محمد الحلبوسي، فقد أثبت، هو الآخر، أنه كومبارس، لا كلام ولا سلام، وهو الذي يُفترض فيه أن يكون بحق وجدارة ورجولة، قائد نواب الشعب العراقي الذين لا همَّ لهم سوى حماية مصالح ناخبيهم والدفاع عنها إلى آخر نفَس. ووفقا لما ذكرته وسائل إعلام عراقية، نقلا عن “مصدر سياسي لم يشأ أن يذكر اسمه”، فإن جهةً عراقية إيرانيةَ الانتماء والولاء حددت له نهاية مارس القادم للتخلص منه كرئيس للبرلمان وتنصيب غيره، إن لم يستطع مداواة الموقف بحزم، حتى لو أثار على نفسه، إن هو فعل ذلك، سخرية أمة لا إله إلا الله.
والحالة الثانية التي فضحت هامشية حكام المنطقة الخضراء تمثلت في إعلان وزير الخارجية، محمد الحكيم، المحسوب على عمار الحكيم، أن العراق يؤيد حل الدولتين، وذلك خلافا لثوابت السياسة العراقية المتوارثة الرافضة للاعتراف بشرعية قيام دولة إسرائيل، رغم أن زيارتها وتبادل الأحضان والقبلات مع وزرائها حلالٌ على بعض كبار السياسيين العراقيين هذه الأيام، ولكن بشرط أن تتم في الظلام. وكان ينبغي أن يصدر هذا التصريح الخطير عن مجلس الوزراء، بعد مناقشته وإقراره في مجلس النواب.
أما الحالة الثالثة التي أظهرت هزال الحكام العراقيين فهي المتمثلة في انطلاق حملات المطالبة بإخراج القوات الأميركية من العراق، سلما أو حربا، نزولا عند رغبة الولي الفقيه المحاصر والمنزعج بالقواعد الأميركية في غرب العراق وشماله، وطلباته أوامر.
ولعل أبرز الداعين إلى طرد العساكر الأميركية من العراق، وأكثرهم صراحة، هو هادي العامري الذي طلب اعتبار يوم انسحاب الأميركان من العراق “يوما وطنيا وعطلة رسمية”. وقال في كلمة له خلال احتفال بيوم السيادة العراقية أقامته كتلته النيابية إن “رفضنا لأي تواجد بري أو قواعد أميركية في العراق موقف شرعي إيراني وحشدوي واجب التنفيذ”.
تُرى هل هناك سبب يدعونا إلى احترام دولة يقودها ممثلون كومبارس، ومن هذا النوع الرديء؟