البنتاغون يعدّل الانسحاب من سوريا ليتماشى مع تعزيز الانتشار في العراق.
يتزايد الجدل في العراق بشأن قرار الولايات المتحدة الانسحاب من سوريا، وما إذا كان الجيش الأميركي يخطط لتوسيع مساحة انتشاره في الأراضي العراقية، لتعويض المواقع التي سيتخلى عنها في الجارة الغربية للبلاد.
وعلى غير العادة، تطابق التيار الصدري بزعامة رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، في موقفه مع مواقف الفصائل العراقية المسلحة التي تدين بالولاء لإيران، ليعبر الجميع عن قلق واضح من زيادة الوجود العسكري الأميركي في العراق بعد قرار الانسحاب من سوريا.
واستغلت كتلة “سائرون” النيابية، التي يرعاها الصدر، ظهور ضباط وجنود من الجيش الأميركي رفقة نظرائهم العراقيين في شارع المتنبي وسط بغداد، الجمعة، لتصعّد في هذا الملف، مطالبة الحكومة العراقية بتفسير أسباب هذا الظهور.
ورأت الكتلة في الظهور الأميركي بشارع المتنبي، “تحديا للإرادة الوطنية وخرقا جديدا للسيادة العراقية وتصرفا سيئا يكشف الوجه القبيح للإدارة الأميركية التي تنتهك كل القوانين والأعراف الدولية”.
وقالت “في الوقت الذي نعلن فيه استنكارنا ورفضنا لهذه التصرفات الرعناء نحذر هذه القوات من مغبة تكرار هكذا سلوكيات همجية”، داعية الحكومة العراقية إلى أن “تكون على قدر المسؤولية وتصدر توضيحا للشعب العراقي وللرأي العام بخصوص هذه الواقعة المرفوضة من جميع القوى الوطنية المخلصة”.
ويرى خبراء أن تعزيز الانتشار العسكري الأميركي في العراق، يبدو أمرا بديهيا بالنسبة للولايات المتحدة، بعد قرار الرئيس دونالد ترامب الانسحاب من سوريا.
وقالت مصادر سياسية عراقية لـ”العرب” في بغداد، إن “وزارة الدفاع الأميركية عدلت خطط الانسحاب من سوريا، لتتماشى مع خطط طارئة لتعزيز الانتشار في العراق”، موضحة أن “الانسحاب الأميركي من سوريا لن يكتمل، ما لم تكتمل ترتيبات تعزيز الانتشار في العراق”.
وكشفت المصادر أن “الولايات المتحدة نقلت معدات عسكرية ثقيلة من سوريا إلى مواقع في محافظة الأنبار غرب العراق”، مؤكدة أن “التعزيزات العسكرية تتدفق على قاعدة عين الأسد في هذه المحافظة، التي تعد أكبر موقع تجمع للقوات الأميركية بالقرب من الحدود السورية”.
وفضلا عن ذلك، نقلت القوات الأميركية معدات وأسلحة إلى مواقع عسكرية في محافظة صلاح الدين شمال غرب العراق.
ومن شأن تحركات من هذا النوع أن تربك الحسابات الإيرانية في العراق، إذ كانت طهران تعوّل على الاستفادة من الانسحاب الأميركي من سوريا، لكنها الآن تواجه انتشارا عسكريا أميركيا واسعا داخل العراق.
وتكرر السلطات الحكومية في بغداد القول إن القوات الأميركية لا تملك أي قواعد عسكرية في العراق، وهو أمر حقيقي بالنسبة للخبراء، إذ أن الولايات المتحدة تتشارك مع القوات العراقية في القواعد العسكرية ولا تديرها بنفسها، ما يجنبها التزامات الاحتكاك مع السكان أو الظهور في الواجهة.
ويعتقد الإيرانيون أن الاستراتيجية الأميركية في توسيع نفوذ الولايات المتحدة العسكري في العراق، القائمة على مشاركة القواعد العسكرية مع القوات المحلية، خطيرة، إلى درجة تصعب مواجهتها.
وعمليا، فإن أي هجوم عسكري يمكن أن يشنه فصيل عراقي مسلّح موال لإيران، ضد أي قاعدة عسكرية في البلاد، سيستهدف منشأة عراقية، وإن كان للأميركيين وجود فيها.
ويقول مراقبون إن هذه الاستراتيجية لن تسمح لأصدقاء إيران في العراق، بمقاربة الوجود العسكري الأميركي في هذا البلد، ما دام المعلن أنها قواعد عراقية وليست أميركية.
وتقول المصادر إن “معسكرات عديدة تابعة للجيش العراقي في محيط العاصمة بغداد وصلاح الدين والموصل والأنبار، تلقت أوامر بإخلاء أجزاء محددة لخبراء أميركيين يعملون على تدريب القوات العراقية”. وتؤكد المصادر أن “هذه الأوامر صدرت حديثا”.
وتضيف المصادر أن هذا التكتيك سيسمح للقوات الأميركية بزيادة عدد أفرادها في العراق بشكل مطّرد تحت غطاء القوات المحلية الصديقة.
وتستند الولايات المتحدة في تعزيز انتشارها العسكري داخل العراق، إلى علاقات وثيقة مع المؤسسة العسكرية المحلية، بلغت أوجها خلال حقبة رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي.
وتقول المصادر إن حكومة عادل عبدالمهدي، ربما لن تجد مصالح كبيرة في الضغط على الولايات المتحدة لخفض عدد جنودها في العراق، بسبب ارتباطها استراتيجيا بالملف الأمني ومشروع بناء القدرات العراقية.
وعوضا عن ذلك، تسعى الأحزاب العراقية الصديقة لإيران إلى استغلال وجودها الكبير في البرلمان لتشريع قانون يلزم القوات الأجنبية بمغادرة البلاد، وهو أمر ربما يحتاج وقتا طويلا وإجماعا سياسيا يصعب تحقيقهما في ظل الانقسام السياسي الحالي في العراق.
وأعاد مراقب سياسي عراقي إطلاق السؤال الذي يقلق الأحزاب والميليشيات العراقية الموالية لإيران بقوله “هل تنوي الولايات المتحدة إعادة تشكيل فصائل من الجيش العراقي، بما يتناسب وخططها إذا وقعت حرب بينها وبين إيران؟”.
وأضاف في تصريح أن لـ”العرب” ذلك يعني توقع وقوع انقلاب جوهري في المعادلات الجاهزة، بحيث يمكن أن يكون العراق رأس الحربة الأميركية في الحرب المتوقعة وليس مجرد ملعب لها.
وأوضح أن القواعد العسكرية التي زار الرئيس الأميركي ترامب إحداها نهاية السنة الماضية لن يتمكن أي طرف عراقي من معرفة ما هو الهدف من تعزيز وجودها بالجنود والمعدات بالرغم من أنها في الظاهر تقع تحت إشراف عراقي. وهو ما يعزز المخاوف الناجمة عن إمكانية حدوث اختراق أميركي من شأنه أن يكون عاملا لفرض استقلالية جزء على الأقل من الجيش العراقي وإبعاده عن سيطرة القوى التي يُشك بولائها لإيران. وقد يكون الهدف من وراء ذلك تحييد الجيش العراقي في أي صراع تكون الولايات المتحدة طرفا فيه.
ولم يستبعد المراقب أن يكون هناك تنسيق أميركي مع الحكومة العراقية من أجل تجنيب العراق أي أضرار محتملة يمكن أن تلحق به من جراء نشوب تلك الحرب. وأكد على أن الثابت في الأمر أن قاعدة تستقبل رئيسا أميركيا لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تكون مكشوفة بالنسبة للجانب العراقي الذي هو ليس موضع ثقة بالنسبة للأميركان.
وتوقع سياسيون عراقيون أن يستغل مقتدى الصدر مسألة القواعد الأميركية ليعود إلى لعب دوره القديم باعتباره مقاوما بعد أن فشل في فرض إرادته على الكتل السياسية في ما يتعلق بتشكيل الحكومة العراقية، غير أن مقاومته هذه المرة ستضعه في الجبهة المدافعة عن إيران، وهو ما يمكن أن يضر بسمعته على المستوى الشعبي. فالمسألة لا تتعلق بالسيادة الوطنية التي يعرف الجميع أنها مجرد شعار بل تتعلق بصراع، يتحدد من خلاله مستقبل الوجود الإيراني في المنطقة وليس في العراق وحده.