في ظل تقاذف المبادرات، واجتراح الإبتكارات، لإيجاد حلّ للأزمة الحكومية، من قبل مختلف القوى السياسية، باستثناء الرئيس المكلف سعد الحريري.. لم يسلم الأخير من سهام الإتهامات الموجهة إليه، وتجددت في الفترة الأخيرة، عبر تحميله مسؤولية تعطيل التشكيل، وعدم إيجاد حلّ لتوزير نواب اللقاء التشاوري. صوّب حزب الله وجهة اتهاماته باتجاه الحريري، لتختلف النبرة تجاه الوزير جبران باسيل، ودعمه في مطلب حكومة من 32 وزيراً بدلاً من ثلاثين. وهذه صيغة يرفضها الحريري بشكل قاطع، لأنه يعتبرها قفزاً فوق اتفاق الطائف، وتكرس وزيراً علوياً من حصته، بل ستؤسس لعرف جديد في الحكومات المقبلة.
توزيع أدوار
بكل الأحوال، لن يكون عرف الوزير العلوي هو العرف الجديد الوحيد، الذي تكرّس في مفاوضات تشكيل الحكومة العتيدة. طريقة إدارة المفاوضات، وامتناع حزب الله عن تسليم أسماء وزرائه، وفتح رئيس الجمهورية قبل فترة معركة الصلاحيات، كلّها تؤشر إلى إبتكار الأعراف الجديدة. بينما الحريري يقف عاجزاً امام كل هذه االسجالات والاجتهادات، ربما أغلبها ليس إلا توزيع أدوار بين القوى المختلفة، لا سيما بين حزب الله من جهة ورئيس الجمهورية من جهة أخرى، ورئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل. وعلى حدّ اعتبار مصادر متابعة، فلا يمكن فصل ما يجري عن سياق توزيع الأدوار، على قاعدة أنه من غير المعقول أن يكون باسيل قادراً لوحده ومنفرداً تعطيل تشكيل الحكومة، على الرغم من وجود بعض الإختلافات بينه وبين حزب الله، حول الثلث المعطّل أو غيره. ومهما كثرت هذه الاختلافات، تبقى تحت سقف مضبوط من قبل الحزب، الذي يعلم أن باسيل لن يغرد خارج السرب، ولا الحريري قادر على فعل ذلك.
وزراء أقل حريريةً
وسط كل هذه الجلبة، جاء طرح جديد من قبل الرئيس نبيه برّي، لتفعيل عمل حكومة تصريف الأعمال من بوابة إقرار الموازنة. وهي نقطة تلاق بين برّي، والحزب التقدمي الإشتراكي، والقوات اللبنانية، وقوى أخرى. وحاول برّي إقناع الحريري باللجوء إلى تفعيل عمل حكومة تصريف الأعمال. لكن حسب مصادر متابعة، فإن الأخير لم يبد حماسة لذلك، لاعتبارات متعددة، منها خصوصاً التباينات الواضحة مع وزراء "المستقبل"، فمثلاً كل طرف يبقى محتفظاً بعدد وزرائه، بينما الحريري، لا يبدو كذلك. وزير الاتصالات جمال الجراح، ليس ممنوناً لتوجهات الحريري التوزيرية في الحكومة العتيدة، طالما أنه لن يمنحه وزارة الإتصالات أو وزارة الداخلية. وبالتالي، مواقفه ستكون مدار رصد ومتابعة، وزير العمل محمد كبارة لن يكون وزيراً في الحكومة الجديدة. وهذه قد ترخي بظلالها على العلاقة الوزارية مع الحريري بحال تفعيل الحكومة. الوزير معين المرعبي أيضاً ليس وارداً اسمه في لائحة الحكومة المفترضة. لكنه لن يخرج من عباءة رئيس الحكومة، استناداً إلى العلاقة المبدئية معه. أما وزير الداخلية نهاد المشنوق، فقد أصبح في مكان آخر، بعد قرار الحريري بفصل النيابة عن الوزارة، وما أرخاه من تداعيات على العلاقة مع المشنوق، الذي لم يترك فرصة لتأكيد ابتعاده مسافة مدروسة عن "المستقبل". كل هذه التفاصيل قد تسقط بالنسبة إلى الحريري، بحال كان التوجه الأكبر هو لإعادة تفعيل عمل حكومة تصريف الأعمال، وعقد جلسات لها، خصوصاً إذا ما أراد ذلك رئيس الجمهورية ميشال عون، ورئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل.
التسليم بالمثالثة
بالعودة إلى المفاوضات الحكومية، أصبح بالإمكان الجزم بتثبيت مفهوم المثالثة، في عملية التشكيل وفي توزيع الحصص الوزارية على الأفرقاء. وإذا ما جرى التسليم بمنطق الثلاث عشرات، التي تحدّث عنها الحريري في عملية التشكيل، فهي ستعني حكماً تكريس المثالثة بشكل أو بآخر، وذلك يمكن إدراجه، في الصراع على الحصص وبعض الأسماء المطروحة للتوزير. ومنها، يسعى حزب الله إلى الحصول على عشرة وزراء، من دون وزراء الحزب التقدّمي الإشتراكي، التي يعمل البعض على وضعهم في خانة عشرة حزب الله عن خطأ. 6 وزراء للثنائي الشيعي، وزير لتيار المردة، ووزير اللقاء التشاوري، بالإضافة إلى إستناد الحزب إلى علاقة قوية مع كل من طلال إرسلان، وبعض الوزراء المحسوبين على حصة عون كالوزير سليم جريصاتي. فحين يتشدد الحزب في استمالة الوزير الممثل لإرسلان في الحكومة سينجح، وكذلك سيفعل بالنسبة إلى جريصاتي، الذي يرفض باسيل توزيره، ويطرح مكانه فادي جريصاتي. ما دفع حزب الله إلى رفض طرح باسيل بإعادة توزيع الأسماء والحقائب.