هذه العلامات السلبية تكفي الاقتصاديين لتوقّع كساد واضح في الولايات المتحدة او «هبوط صعب: في الصين Hard Landing حيث يحاول المسؤولون تخفيف هذا التراجع. ولم تكن كلمات ديفيد ليبتون النائب الاول للمدير العام لصندوق النقد الدولي احتفالية، وكانت سياسته واضحة، اذ قال اننا في صدد أزمة مالية اخرى والعالم غير مستعد الآن للتعاطي مع واحدة منها، وحسبه دائماً، انّه ومع اسعار فوائد منخفضة، فانّ المصارف المركزية وبكل بساطة لا تمتلك القوة التي كانت لديها في العام 2008 للتعامل مع الركود. كذلك فانّ الدين العام في العديد من البلدان بما في ذلك الولايات المتحدة الاميركية يشكّل خطراً ويحدّ من خيار استخدام الحوافز الضريبية لمعالجة الأزمة.
كذلك انتقد ليبتون الصين والولايات المتحدة واوروبا على سياساتها الاقتصادية التي لا تواجه المشكلة. وكما انّ الولايات المتحدة ترفع حجم مديونيتها، كذلك الصين فهي بحاجة الى إصلاح سياستها التجارية، واوروبا بحاجة الى وقف تنافرها السياسي. ويبدو انّ القليل من ذلك تحقق لغاية الآن، لذلك العالم في حاجة الى صوغ استراتيجية متعددة الاطراف. كل هذا والمشهد العالمي بعيد كل البعد عن ذلك، في ظل القوتين العظميين الولايات المتحدة والصين العالقتين في حرب تجارية تهدّد بالامتداد الى حقبة الحرب الباردة، ومع بريطانيا وعملية الـBrexit وفرنسا ومحاربتها للانتفاضة ودعاة اعمال الشغب، وتوافق سياسي هش في المانيا مع انجيلا ميركل على بعد خطوات من السلطة.
ورغم بعض الايجابيات في عدد من الدول، الّا انّ الوضع بشكل عام مقلق ولن تفي هذه الإيجابيات بالشيء الكثير، إذا ما كان العالم يتوجّه الى أزمة مالية خطرة، وقد يعني ذلك مع الحروب التجارية وارتفاع اسعار الفوائد، نهاية طفرة اقتصادية غير مسبوقة، علماً انّ هذه الطفرة الاقتصادية قد تكون الاطول.
على سبيل المثال، إذا ما استطاع الاقتصاد الاميركي تجاوز حزيران 2019 دون ركود، يكون الانتعاش قد تجاوز 120 شهراً وهو الاطول منذ بداية السجلات الاقتصادية في العام 1857. ومع ذلك، بالنسبة لمتعقبي البيانات العالمية، بما في ذلك صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي، فإنّهم اقل تفاؤلاً ازاء استمرار النمو في بقية العالم. وبحسب صندوق النقد الدولي، بلغ الانتعاش سقفاً عند 3.7 بالمائة في العام 2018. وهذه كلها امور تؤكّد فرضية انّ الاقتصاد العالمي يقف على مفرق طرق في العام 2019.
هذا، والصورة غير مرضية بتاتاً، لا سيما مع ترجيحات استمرار زيادة اسعار الفوائد، الامر الذي سيؤدي بدوره الى ضغوطات على الاقتصادات الناشئة والمعتمدة على التحويل الاجنبي ومديونيها بالدولار الاميركي، وهذه المشاكل منتشرة على نطاق واسع في انحاء العالم مع ديون بلغت ذروتها في العام 2018 حتى تجاوزت 184 تريليون دولار، وهو ما يساوي 250 في المائة من الناتج المحلي الاجمالي العالمي و 12 بالمائة زيادة عن المستوى الذي بلغه في العام 2009.
اذا كان العام 2019 يُنذر بكل هذه المخاطر، ومع اقتراب Brexit في العام 2019 (29 آذار) ومع وعود مُكلفة من قبل الرئيس الفرنسي لتهدئة «السترات الصفر»، وبطء النمو في المانيا، يبقى القول انّ البنك المركزي الاوروبي يفتقر الى ما يلزم من ادوات وقف التدهور الاقتصادي. هذا علماً انّ عملية التيسير الكمي والتي ستتوقف مع نهاية العام، تعني بما تعنيه بدء رفع الفوائد، بعد ان وصلت الى مستويات منخفضة تاريخياً، والتي من المرجح ان تبدأ ارتفاعها الطبيعي في العام 2020 ( من المفترض انّ عملية نهاية برنامج شراء السندات انتهت في 13-12-2018).
مع هذه الموجة من المشاكل، قد يكون من الصعب رؤية الايجابيات. وقد تكون، وحسب بعض المحللين، سحابة من الكآبة غرق فيها الاقتصاد. ولم تساعد في هذا المشهد الأجواء العالمية، حتى في الدول التي تشهد نوعاً من النمو ولو كان بطيئاً، إذ انّ الدول الكبرى معرّضة الآن لعملية قد يترنّح فيها الاقتصاد، ان لم نقل يتراجع بشكل ملحوظ ومع غياب المعالجات التي توقف الهبوط القادم.
والسؤال الذي يطرح نفسه، ما مدى سوء هذا التراجع مع جملة التوترات، اذا كانت اميركا مع ترامب، وعلى الرغم من مضي ما يقارب عقداً من النمو الاقتصادي المتواصل، نرى ان قرابة 55 بالمئة من الاميركيين يعتقدون انّ البلاد تسير في الاتجاه الخاطئ، مع انخفاض اسعار الاسهم في اميركا اواخر الاسبوع الفائت بنسب بلغت اكثر من 20 بالمائة، وانخفضت هذه الاسهم بشكل حاد يوم الاثنين قرب نهاية ما يمكن ان يكون اسوأ امر حدث في وول ستريت منذ العام 1931. انّ قلة التناغم بين دونالد ترامب وجيروم باول رئيس المجلس الاحتياطي الفدرالي، الامر الذي يعني اضطراباً سياسياً سينعكس ليس فقط على وول ستريت والاقتصاد وانما ايضاً على الدول الناشئة ومع «اميركا اولاً» شعار ترامب الذي ادّى الى حرب تجارية مع الدول الصديقة وغيرها.
اقليمياً، نرى الصورة بشكل قاتم رغم كل المؤشرات، وهي كذلك في لبنان وتركيا والسعودية. والعلامات السلبية تنعكس على جميع المستويات ان كان في تركيا وعملتها، او مع السعودية وافلاس الشركات فيها وعدم دفع معاشات الموظفين، او في لبنان مع أزمته السياسية والاقتصادية والمالية. وقد تكون عملية «اللقاء التشاوري» ليست الّا محاولة للإبقاء على الوضع الراهن، في انتظار ظروف يتراءى للبعض أنها على تحسّن.
هذا التأخير في تأليف الحكومة، مع الوضع السياسي المتأزّم، لا بد ان ينعكسا سلباً على الاقتصاد والنمو والحركة السياسية وعلى عمل المصارف. واموال «سيدر» عرضة للتأخّر، كون العوامل الموضوعة لتسييرها لم تكتمل بعد.
إذا كانت الاوضاع الاقليمية عاملاً مهماً في الوضع اللبناني، فأننا نرى أنفسنا من جديد عرضة لتشابكات دولية قد تنعكس سلباً على لبنان واقتصاده ونموه ولقمة عيشه.
وإذا أراد بعضهم المساواة في هذا الموضوع، لا بدّ من القول اننا عدنا الى نقطة الصفر، حيث الالتزامات الخارجية والاجندة الاقليمية والدولية لا تزال تتحكّم في مصيرنا.
كلها عوامل تتشابك مع بعضها البعض ولا تبشّر بسنة جديدة فيها خير، لا على الصعيد الدولي والاقليمي ولا المحلي. وتبقى المراهنات سيدة الموقف في جو متوتر ومع عوامل سلبية تفرض نفسها على الساحة الاقليمية والمحلية.
هذه هي المؤشرات للعام 2019. والحديث عن أزمة مالية جديدة ليس بعيداً عن المشهد العام، والحديث عن تفكك لبناني يبقى طاغياً طالما لم يتفق الافرقاء على تشكيل حكومة إتحاد وطني.