في الشكل، ثمة خطوة واحدة فقط وتبصر الحكومة العتيدة النور، وهي تتمثل بتنفيذ التسوية المتفق عليها، والتي تقضي بتوزير شخصية سنية يسميها اللقاء التشاوري من حصة رئيس الجمهورية، لتنتهي بذلك هذه الأزمة وينطلق العهد في المسيرة التي يرسمها لنفسه.
أما في المضمون فإن هذه الخطوة تبدو صعبة للغاية، في ظل العراقيل والحواجز والجدران التي ترتفع أمامها، وذلك بفعل سعي بعض الأطراف السياسية الى أن تكون في الاتجاه الذي يصب في مصلحتها، الأمر الذي يجعلها خطوة شبه مستحيلة، إذا لم تتوفر لها النوايا الصادقة والصافية.
الكل بات على قناعة بأن هذه الخطوة في حال تقرر القيام بها، فهي لا تحتاج الى المشاورات التي يقوم بها الوزير جبران باسيل ولا الى الطروحات الخمسة التي يقدمها، وهي بحسب المعلومات طروحات قديمة، يعمل باسيل على تعديلها وتجديدها، وكلها مرفوضة من الأطراف الأخرى، حيث أن باسيل يسعى من خلالها الى تأمين الثلث المعطل الذي يصر على إمتلاكه مع حصة رئيس الجمهورية في الحكومة، سواء عبر حكومة من 36 وزيرا، أو 32، أو 30 شرط أن يكون ممثل اللقاء التشاوري من حصة لبنان القوي، أو 24 وزيرا حيث يطالب بتسعة وزراء مع حصة رئيس الجمهورية.
أمام هذا الواقع، بات باسيل المتهم الأساسي في التعطيل لدى كل الأطراف السياسية الأخرى التي ترفض إعطائه الثلث المعطل، وخصوصا الرئيس نبيه بري الذي أكد أن ″لا يمكن لأحد أن يكون لديه الثلث المعطل في الحكومة″، مشددا على ″إعتماد صيغة الثلاث عشرات″، وكذلك حزب الله الذي لا يمانع في الشكل، إلا أنه في المضمون لا يجد مبررا لكل هذا الاصرار للحصول على 11 وزيرا، لكن باسيل الذي وصفه البطريرك بشارة الراعي أمس بأنه ″يحب السير في العاصفة″، يواجه منفردا كل هذه الأطراف ولا يتوانى عن تحميلها مسؤولية التعطيل ضمنا، والظهور في دور الضحية، حيث سأل من على منبر بكركي: هل يمكن لأحد أن يعطل نفسه أو يعطل العهد الذي يمثله؟.
تشير مصادر سياسية مطلعة الى أن باسيل ليس مهتما بالوقت الذي قد يستغرقه تشكيل الحكومة، خصوصا أنه سبق وقال في جلسات خاصة مع كوادر من التيار الوطني الحر أن ″الحكم لسنة واحدة ضمن حكومة نمتلك فيها القرار والثلث المعطل أفضل بكثير من حكومة تمتد لأربع سنوات لا نمتلك فيها القرار″، ما يعني أن باسيل مستمر على هذا النهج وهو لن يعدم وسيلة في حصوله على الثلث المعطل، وهو في ذلك يتبع النهج الذي إعتمده حزب الله في معركة رئاسة الجمهورية حيث إستمر الفراغ الرئاسي لأكثر من سنتين ونصف السنة الى أن تم إنتخاب العماد ميشال عون الذي إلتزم الحزب بايصاله الى قصر بعبدا.
لا يختلف إثنان على أن إصرار باسيل على تحقيق أهدافه سيكون له تداعيات سلبية، لجهة تأخير تشكيل الحكومة الى أجل غير مسمى، وإضعاف رئيس الحكومة المكلف أكثر فأكثر ومصادرة صلاحياته ودوره، خصوصا أن ما يجري اليوم يشير الى أن الجيمع يشاركون في تشكيل الحكومة إلا الرئيس المكلف، إضافة الى إستفزاز اللقاء التشاوري للنواب السنة المستقلين ومن ورائه حزب الله، حيث أعلن النائب فيصل كرامي أمس أن ″الأمور عادت الى المربع الأول بانتهاء التسوية، وأن اللقاء تراجع عن تنازله بقبول تمثيله بوزير من خارجه، وهو يريد أن يتمثل بأحد أعضائه وبحقيبة وزارية″، الأمر الذي يساهم أكثر فأكثر في تعقيد الأمور وفي جعل الحكومة المنتظرة في مهب الريح، في وقت بدأ الشارع اللبناني بالغليان، ودخل الاقتصاد مرحلة الموت السريري، فيما الليرة تجاهد وتحتاج الى ″أرانب″ حاكم مصرف لبنان لكي تبقى صامدة.