في غمرة الإهتمام الأميركي والبريطاني بمساعدة لبنان على مراقبة حدوده الشمالية والشرقية وحمايتها، في إطار مشروع أمن الحدود اللبنانية - السورية لتأمين الجيش اللبناني كامل الحدود مع حلول سنة ٢٠١٩، لا تزال الأمم المتحدة تطالب لبنان بضرورة الإلتزام بالقرارات الدولية، ولا سيما منها القراران ١٥٥٩ و١٧٠١ والقرار ١٦٨٠، والأخير صدر في ضوء صدور الـ ١٥٥٩ والذي يطالب بترسيم الحدود اللبنانية - السورية.
ولا يزال الترسيم دونه معوقات من ابرزها قيام سلطات سورية جديدة بحسب ما يتم العمل عليه بإشراف دولي، تتولى هي التفاهم مع السلطات اللبنانية على الترسيم. والحرب السورية اعاقت الترسيم، حتى ما قبل الحرب لم تكن السلطات في دمشق تريد الترسيم.
وفي ٢٣ كانون الأول الماضي، يكون قد مرّ ١٠ سنوات على تشكيل لبنان لفريقه في لجنة ترسيم الحدود اللبنانية - السورية، وفق المرسوم ١٠٤٠ تاريخ ٢٣/ ١٢/ ٢٠٠٨. لبنان بموجب هذه اللجنة قام بتحضير ملف ترسيم الحدود، وعقد الفريق اللبناني برئاسة الأمين العام لوزارة الخارجية والمغتربين آنذاك السفير وليم حبيب سبعة اجتماعات، أدت إلى التوصل إلى ملف جاهز للبحث مع الجانب السوري. وتضمن الملف كافة الخرائط والدراسات المتصلة بتحديد لبنان لحدوده مع سوريا. وهذه اللجنة شكلها مجلس الوزراء بإعتبار أن اللجنة القديمة كان مر عليها ٢٠ سنة. وجاء الأمر بناء على زيارة رئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان لسوريا، وحيث جرى الإتفاق على ترسيم الحدود، وحصلت وعود سورية بالتجاوب.
وحتى قبيل إندلاع الحرب السورية التي اعاقت الترسيم، اجريت إتصالات لبنانية مع السوريين للبدء بإجتماعات الطرفين اللبناني والسوري لمناقشة موضوع الترسيم والتفاهم حوله. لكن الجانب اللبناني كان يستنتج دوماً أن دمشق تتهرّب. في حين أنه في هذه الأثناء اجتمعت اللجنة السورية - الأردنية في شأن ترسيم الحدود السورية - الأردنية، وجرى الإتفاق النهائي حول الترسيم. كما أن المسؤولين اللبنانيين لم يشعروا في أي مرة أن هناك إرادة سورية للترسيم أو نية لإنهاء هذا الملف.
فالترسيم، بحسب مصادر ديبلوماسية واسعة الإطلاع، يريح لبنان، ويقفل المجال أمام الحجج بأن الحدود غير واضحة المعالم، ويمكّن لبنان من إقامة خندق على طول الحدود الشرقية لمراقبتها من التسلل، مع الإشارة إلى أن الحدود الشمالية تعتبر مرسمة مبدئياً من جراء وجود النهر الكبير. بينما شرقاً هناك العديد من الأراضي المتداخلة والتي يجب تحديدها.
كذلك هناك دخول سوري إلى أراضٍ لبنانية في مواقع كثيرة، وإذا رسّمت يمكن للبنان وضع مراكز مراقبة أكثر ومراكز حماية. لكن في حال إستمرار عدم الترسيم، لا يمكن للبنان خلق أزمة عبر وضع مثل هذه المراكز لكي لا يعتبر الأمر تعدياً، في إنتظار حل الإشكال. في منطقة القاع مثلا، فإن مركز الجمارك والأمن العام اللبناني يبعدان عن المراكز السورية المماثلة لأن الترسيم غير موجود.
ولو كانت الحدود مرسمة قبل إندلاع الحرب السورية، لكان الأمر وفر على لبنان مشكلات سياسية كبيرة، منها تهريب الأشخاص والسلاح.
وتفيد أوساط خبيرة في الجغرافيا الحدودية، أن طول الحدود اللبنانية - السورية يبلغ ٣٧٩ كلم، ولو شاءت الظروف لجعل إنتصار الجيش الأخير في الجرود شاملاً لكل الحدود الشرقية لكانت عملت اللجنة الفنية في الجيش على التواجد وترسيم الحدود على القمم، مما يضع الفريق الآخر تحت الأمر الواقع للإعتراف بذلك.
وتقول هذه الأوساط، أن قسماً من الترسيم أنجز سنة ١٩٣٥. وقبل ذلك في ١٩٣٠ كان السوريون ينزلون من وراء عرسال لزراعة الإنتاج هناك وكانت تحصل مشاكل بينهم وبين أهالي عرسال حول ذلك. فقام آنذاك المفوض السامي الفرنسي بتأليف لجنة لترسيم الحدود لمنع الخلافات بين البلدين. وحصل ترسيم مبدئي للحدود بناء على القرار ١١٨ حول إعلان لبنان الكبير أي إعلان غورو. والترسيم آنذاك في الغالب حصل من مقابل عرسال حتى بعلبك على الجبال والقمم، وعلى مسافة ٤٠ كلم فقط.
وهذا النوع من الترسيم له أهميته لأنه تناول خط القمم وأعلى نقاط الجبال. وهذه الأعالي تعتبر نقطة تقاسم المياه بين البلدين. وهذا أيضاً يثبت مقولة أن الحدود هي على خط القمم.
وتبرز أهمية الإعتراف اللازم بالحدود، لأنه بحسب الأوساط، فإن عدم الإعتراف بها يعني عدم الإعتراف بكيان الدولة السيدة الحرة المستقلة النهائية.
لذلك يتم التشديد دولياً على القرار ١٥٥٩ الذي يتحدث عن خروج السوريين وعن نزع السلاح، والذي أعقب بالقرار ١٦٨٠ الذي يجسد الإعتراف بالحدود وتالياً بالسيادة.
فالقرار ١٥٥٩ هو تدويل لإتفاق الطائف، والقرار ١٦٨٠ قرار تطبيقي. ومجلس الأمن شرعن الكيانية اللبنانية. ووقف ضد من كان يعتبر لبنان إمتداداً لأراضيه مثل مقولة سوريا الكبرى أو إسرائيل الكبرى. وبالتالي لبنان ليس خطأ تاريخياً، بل حقيقة جغرافية وتاريخية على ما يقول الخبير الدكتور نبيل خليفة.