عديدة هي الآيات القرآنيّة الكريمة التي تؤكّد عالميّة الإسلام وأنّه دين أممي يرفض الإنعزال والإنقطاع عن الأمم والحضارات
إستفاق صباح اليوم روّاد مواقع التواصل الإجتماعيّ، على خبر تكفير وإدانة النائب اللّبنانيّ رولا الطبش جارودي، بسبب دخولها إحدى الكنائس.
لوهلة، تعتقدُ أنّ هذا الخبر ليس في لبنان، خصوصًا وأنّ التكفير لا يمتّ إلى العادات اللّبنانيّة والعلاقات بين المسلمين والمسيحيين بصلة.
وفي التفاصيل، ظهرت النائب رولا الطبش جارودي في الصور ومقاطع الفيديو المنشورة لها عبر مواقع التواصل الإجتماعيّ وهي تتقدّم من الكاهن أثناء المناولة وقد وضع كأس القربان المقدّس على رأسها.
إقرأ أيضًا:"قمع الحريات وآخرها مع محمد حرز!"
ونشر أحد الناشطين على "فيسبوك" فيديو للطبش في الكنيسة، وعلّق قائلاً: "لا مش هيك يا رولا الاعتدال.. النائبة عن المقعد السني رولا الطبش تقوم بممارسة طقوس كاثوليكية في إحدى الكنائس حين سكت أهل الحق عن الباطل.. توهم أهل الباطل أنهم على حق".
تربطُ علاقة تاريخيّة المسيحيّة والإسلام، لقد كانت المسيحيّة حاضنة للإسلام ولا سيما بلاد الحبشة المعروفة بأثيوبيا اليوم، وقد أوصى النبي محمد (ص) شعبه باللّجوء إليها لأنّ حاكمها المسيحيّ عادل لا يظلم، كذلك رسولنا إستقبل وفودًا مسيحيّة، منها وفد نجران، في المدينة، وأذن لهم بالصلاة على دينهم.
من جهتها، إستهجنت النائب رولا الطبش جارودي، كيف أنّ حضورها قداسًا للمحبّة والسلام كان موضع خلاف أو إنتقاد لها، وقالت: "لست اول مسلم يدخل الكنيسة ولن أكون الأخيرة".
وفي بيانٍ لها، أوضحت: "استغرب كيف أن البعض ممن يدعي العيش المشترك ينتقده حين تسمح له الفرصة ضاربا بعرض الحائط كل اساس لبنان، ويحول الوطن إلى ساحة حرب وخنادق، واستغرب كيف ان احترام حرية المعتقد المصانة بالدستور تتحول إلى متاريس لدى البعض من أجل التعبير عن حقده الدفين لغايات معروفة."
وختمت الطبش: "إن الطقوس واحترام عادات الغير لا تلغي الإيمان الداخلي، ولا تجعل المسلم كافرا، خصوصا ان مشاركتي في الطقوس (القداس) ليس إيمانا بها بل احتراما للمؤمنين بها، وبكل الأحوال لبنان لا يقوم الا بجناحيه المسلم والمسيحي".
عديدة هي الآيات القرآنيّة الكريمة التي تؤكّد عالميّة الإسلام وأنّه دين أممي يرفض الإنعزال والإنقطاع عن الأمم والحضارات، مثل الآية الثامنة والعشرين من سورة سبأ، "وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرًا ونذيرًا ولكنّ أكثر الناس لا يعلمون"، ولم يقتصر الأمر الإلهي على عدم الانقطاع مع الآخرين، بل على العكس من ذلك فقد دعا للعيش والتحاور معهم، وهناك أربعة آيات کريمة تؤكّد على الإنفتاح الإسلاميّ، عمل بها النبي محمد (ص) کي تصبح من بعده نهجًا للأمة الإسلاميّة.
وعلى الرغم من توضيح الطبش، إلا أنّ بعض الناشطين لم يقتنعوا بتبريرها: "للأسف النائب رولا الطبش بدها تبرر اللي صار بس بدل ما تكحلها عمتها.. واذا اقتنعنا بتبريرها يعني صار كل واحد حر يفتح دين على حسابه. يا عيب الشوم".
في المقابل، كتب أحد الناشطين: "شكرا للنائب رولا الطبش التي أعطت أمثولة في التعايش الحقيقي، وفي احترام الآخر، وفي احترام طقوس الآخرين وإيمانهم، فالله واحد، وإن اختلفنا في طُرُق العبادة، فالطقوس لا تلغي الجوهر، ولا تُدنّس المقدسات، كل احترامنا سعادة النائب".
في السياق عينه، توجه النائب هاغوب ترزيان في تغريدة على حسابه عبر "تويتر" بالقول: "لا تستغربي يا زميلتي، فللأسف البعض يعتبر العلم والأخلاق والثقافة والإنفتاح واحترام الآخر عار، والجهل فخر".
وأضاف:"كبري عقلك فأنت محترمة ومثقفة وتحترمين الأديان، وهؤلاء الجهلة لا يستحقون منك حتى الرد. لك مني أنت الإنسانة المؤمنة ومن تمثلين، كل الإحترام والمحبة. نعم نلتقي للسلام أينما كان".
لبنان بمسيحييه ومسلميه وشتى تشكيلاتهم ومذاهبهم وطوائفهم، عليهم أن يُعيدوا الإعتبار إلى مضامين وثيقة الوفاق الوطنيّ تعويضًا لدور فقدوه في متاهات المنازعات المذهبيّة عوض أن يكونوا أمناء على رسالة لبنان ومعناه الإنسانيّ، وكلّ الإتّهامات التي وجّهت إلى الطبش ليست سوى دليل على أنّ هناك من يعمل على تغيير وجه لبنان، الرسالة، رسالة التعايش والسلام.