تنتظر بيروت وبعض المناطق اللبنانية غداً (الجمعة) تحركات نقابية وشعبية جديدة احتجاجاً على تردي الأوضاع الاقتصادية وفشل السياسيين في تشكيل حكومة تعتمد خطوات متسارعة تحول دون الانهيار.
وكانت الاحتجاجات في الشارع قد بدأت في 23 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وعكست مشهداً كسر نمطية التحركات المعتادة في الشارع اللبناني. فالدعوة إلى المظاهرة جاءت مجهولة الانتماء السياسي والاجتماعي، ولم يبادر أي طرف إلى تبنيها.
واعتبر فريق من اللبنانيين، وتحديداً من يؤيدون «التيار الوطني الحر» ورئيس الجمهورية ميشال عون، أن التحرك مشبوه ويهدف إلى الضغط على العهد.
ويقول النائب في كتلة «التنمية والتحرير» محمد نصر الله لـ«الشرق الأوسط»: إن «الناس يعبرون عن وجعهم أياً يكن الداعي إلى التظاهر. وهم على حق؛ لأن لبنان يتساقط ورقة ورقة، الخدمات في أسوأ حال من ماء وكهرباء وطرق وطبابة، وما إلى ذلك».
ويرى نصر الله، وهو عضو في كتلة رئيس البرلمان نبيه بري، أن «للاحتجاج الشعبي وجهين: الأول إيجابي، إذا أخذ المسؤولون بالاعتبار صرخة المواطنين لمعالجة الأمور وتدارك خطرها.
أما الوجه السلبي، فهو في بقاء الأمور على حالها؛ ما يؤدي إلى فوضى عارمة في الشارع، من دون وصول هذه الفوضى إلى ثورة تغير الواقع السياسي، والسبب هو الطائفية؛ فلبنان هو البلد الوحيد الذي يصفق لجلاديه ويقبل التجاوزات من فساد وهدر للمال العام التي تؤدي إلى إسقاط أي نظام؛ وذلك لأن الطائفية المتحكمة تجعل الثورة مستحيلة وتحمي الفساد بشكل مبرمج من دون خوف من المساءلة».
إلا أن الكاتب والناشط السياسي لقمان سليم يعتبر أن «تفسير التيار الوطني الحر وفريق رئيس الجمهورية لما حصل الأحد الماضي على أنه مظاهرة مذهبية للضغط على العهد ورئيس الجمهورية فيه الكثير من الصحة، وتوجيه النقد القاسي إلى (حزب الله) خلال التظاهر في الشهر الماضي، لا يتجاوز الأضرار الجانبية، أما الهدف فهو تظهير حالة تململ تتصاعد في وجه العهد في إطار الضغوط التي يمارسها الحزب في مسألة تشكيل الحكومة». ويرى رئيس «حركة التغيير» المحامي إيلي محفوض، أن «المظاهرات في لبنان لم تحدِث تغييراً باستثناء مظاهرة (14 آذار) عام 2005، التي أدت إلى خروج الجيش السوري من لبنان عقب جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري. ولعل عدم مشاركة جمهور الأحزاب الرئيسية يجعل هذه التجمعات الصغيرة أعجز من أن تحمل مطلباً وتصل إلى تحقيقه من خلال الشارع. فالوضع الاقتصادي المتردي لم يحفّز الناس على النزول إلى الشارع وجرّ قيادات أحزابهم خلفهم كما حدث في (14 آذار)».
وإذ يوضح سليم أن القدسية التي كانت تتعلق بـ«حزب الله» وشعار «المقاومة» الذي يرفعه، سقطت قبل زمن، إن في البرامج الحوارية أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي، يشير إلى أن «المظاهرة مبرمجة، وأي تأويل بأن المتظاهرين خارجون عن طاعة مرجعيتهم لا يصح.
ويمكن اعتبار ما حصل من أدوات التحضير لما سيحصل تحت العنوان المالي في المرحلة اللاحقة. لكنه لن يؤدي إلى الفوضى في الشارع، ليقتصر على التنفيس الاستباقي. فـ(حزب الله) اخترع الفوضى المضبوطة ليستخدم الشارع من دون أن يسمح له بالانفلات. ويبقى أن التحرك في الشارع هو من أدبيات المراسلات السياسية بين الأطراف السياسيين ولن تؤدي إلى أي تغيير».
ويوافق محفوض على أن «هذه المظاهرات ليست بريئة بالكامل، وكأن يداً خفية تحركها لإظهار مدى تقهقر عهد الرئيس عون، والتيار الوطني الحر يتهم هذا الحراك بأنه مأجور ويهزّ صورة العهد.
وعرقلة تشكيل الحكومة تصبّ في الهدف ذاته، مع أن جزءاً كبيراً من العرقلة إقليمي.
لكن الظاهر أن (حزب الله) يريد حكومة تتوافق مع مصلحته في المرحلة المقبلة. وكل التحركات الشعبية لها علاقة بالحزب من قريب أو بعيد، ذلك أن عبارة المجتمع المدني فضفاضة. وغالباً ما تستثني من احتجاجاتها (حزب الله) وحركة أمل».
وفي حين حرص «حزب سبعة» على توجيه النداء إلى كل اللبنانيين من «أصحاب المصارف وأصحاب المؤسسات وأصحاب المهن الحرة وموظفي الدولة والنقابات للنزول إلى الشارع والاقفال الشامل، والمطالبة بالبطاقة الصحية والماء والكهرباء والتعليم والوظائف والاستثمار؛ لأن لا حكومة لنطالبها بهذه الأولويات»، تقول الناشطة في الحزب الداعي إلى التظاهر، فيكي زوين، لـ«الشرق الأوسط»: إن «التحرك ضروري بعد سبعة أشهر من الأزمة الحكومية، والساحات مفتوحة لكل المواطنين.
ولا يمكن إلا أن نأخذ مصيرنا بأيدينا، لأن المسؤولين فشلوا بإدارة البلد السائر إلى الهاوية، وواجبنا أن نكون في الشارع لأن تحركنا هو لحرف لبنان عن السقوط.
نريد حكومة لنحاسبها ونحمِّلها مسؤولياتها، لكننا لسنا مؤمنين بهؤلاء المسؤولين الفاشلين بعد سبعة أشهر من العجز عن تشكيل الحكومة».
من جهة ثانية، يشير نصر الله إلى «أن تشكيل الحكومة عندما يحصل سيترافق مع فرض ضرائب جديدة لتأمين إيرادات للخزينة والتخفيف من العجز الحالي؛ ما سوف يفاقم معاناة المواطنين ويسرِّع في الوصول إلى الفوضى ما لم يتم تدارك الأمور.
فأهل السلطة لم يعد بإمكانهم الاستمرار فيما هم عليه. وليس أمامهم إلا تغيير أدائهم للحد من كل ما يحول دون معالجة صرخة المواطنين».
إلا أن سليم يرى أن «هذه المظاهرات لن تكون أداة التغيير، كثير من السياسيين أعلنوا أن (الطائف) انتهى. ونحن في عراء دستوري، لكن هل جاءت اللحظة لاستبدال ثوب الطائف الممزق بثوب دستوري جديد؟».