ولم تكن عملية إخلاء منزل العبادي في المنطقة الخضراء طبيعية، إذ عمد حرس عبدالمهدي إلى التحرك بعد انتصاف الليل، ووضع الأقفال على أبواب الشقق المدمجة، من دون أن يتضح ما إذا كانت عائلة رئيس الوزراء السابق قد غادرتها فعلا.
ويقول مقربون من عبدالمهدي إنه نفى علمه بهذه التطورات، لكن واقع الحال يشير إلى أن رئيس الحكومة صمت عن الأمر ولم يصدر تعليمات مغايرة.
وتكمن المفارقة في أن عبدالمهدي يشغل شخصيا قصرا رئاسيا كبيرا بجوار القصر الجمهوري في منطقة الجادرية القريبة من المنطقة الخضراء منذ 10 أعوام تقريبا، ولم يطلب منه في السابق إخلاؤه حتى بعدما استقال من منصب نائب رئيس الجمهورية أو منصب وزير النفط في حكومة العبادي.
ويشغل مسؤولون أكراد قصورا موزعة في ما يعرف بـ”المربع الرئاسي” بالجادرية، أثناء توليهم مسؤوليات رسمية أو بعد مغادرتهم مواقعهم. وإلى جوار المربع الرئاسي تنتشر قصور ومكاتب تابعة لزعيم تيار الحكمة عمار الحكيم وزعيم منظمة بدر هادي العامري، وهؤلاء قاموا بشغلها بعد 2003، ولم يرتبط بقاؤهم فيها بتوليهم مسؤوليات رسمية.
وحتى داخل المنطقة الخضراء نفسها، ما زال القصر الذي كان يستخدمه رئيس البرلمان السابق سليم الجبوري للسكن واستقبال الضيوف تحت سيطرته، ولم يقم بإخلائه بعد تنحيه من منصبه.
ومن الواضح أن أجواء التصفية السياسية ليست بعيدة عما يدور حول العبادي، بسبب تحالفه الوثيق مع الولايات المتحدة عندما كان في منصبه وعلاقاته القوية مع دول خليجية أبرزها السعودية.
ويقول سياسي عراقي لـ”العرب” إن “العبادي يدفع ثمن تحالفاته الخارجية، التي لا تروق لإيران وأصدقائها في العراق”.
ووفقا لمصادر سياسية في بغداد، فإن عبدالمهدي، الذي يقود حكومة منقوصة ويحيط بها القلق وليس لديها غطاء برلماني واضح، يخشى أن يستخدم العبادي مقراته في المنطقة الخضراء لبناء حراك سياسي يضغط على الكابينة الجديدة.
ولم يخف العبادي في مقابلات تلفزيونية استغرابه من تجاهل عبدالمهدي لتحالف النصر خلال عملية توزيع الوزارات على القوائم الفائزة في الانتخابات.
وقال العبادي إن رئيس الحكومة تصرف بمكيالين في عملية توزيع الوزارات، إذ اختار مستقلين لشغل حقائب تخص تحالف الإصلاح، الذي يضم تحالف النصر، وكتلة سائرون التي يرعاها مقتدى الصدر، وتيار الحكمة بزعامة الحكيم، لكنه اختار شخصيات حزبية لملء حقائب تحالف البناء القريب من إيران، ويضم منظمة بدر وعصائب أهل الحق وائتلاف دولة القانون بزعامة المالكي.
وقرأ متابعون في تصريحات العبادي مؤشرا على تحوله للمعارضة، وسط إشارات متزايدة إلى نيته العمل على توسيع قاعدة مشروعه السياسي، في ظل الشعبية التي يفترض أنه يحظى بها، بسبب إدارته التي توصف بالمتوازنة، لمنصب رئيس الوزراء بين 2014 و2018.
وعمليا، يبدو العبادي في أضعف صوره السياسية حاليا، بعدما خسر المنافسة على منصب رئيس الوزراء، وقبل ذلك، فقد جزءا من كتلته السياسية بانشقاق فالح الفياض عنه والتحاقه بالركب القريب من إيران، وهو ما يمكن أن يفسر الحملة التي تستهدف إخراجه من مقراته داخل المنطقة الخضراء.
وبالرغم من أن بوصلة تحالفات العبادي لم تتجه نحو هدف محدّد حتى الآن، إلا أن مصادر قريبة منه تشير إلى تحضيره لإطلاق جولة تواصل مع قطاعات اجتماعية مختلفة لبناء قاعدة جماهيرية، ربما تعيده إلى الواجهة مجددا، مستندا إلى علاقاته الوثيقة بالولايات المتحدة والغرب عموما، والثقة التي يحظى بها في الخليج.