عاد الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ليربك الأعداء والحلفاء حول طبيعة الخروج الأميركي من منطقة الشرق الأوسط.
ففي 19 من كانون الأول الفارط، أطلق ترامب قنبلة سياسية أمنية مدوية عندما أعلن عن السحب «الفوري» للقوات الأميركية مع الخبراء والموظفين المدنيين من شرق الفرات السوري، وترك الميليشيات الكردية ومن معها من العشائر العربية لمصيرها القاتم مع الأتراك المتربصين.
الآن عاد ترامب وتحدث قبل يومين عن «سحب بطيء» للقوات الأميركية من سوريا، وخرج لنا النائب الجمهوري، الذي تقارب مؤخراً مع ترمب، ليندسي غراهام، وقال إنه قابل الرئيس وإن الأخير وعده بعدم الخروج حتى التأكد من هزيمة «داعش»، وترمب نفسه تخلى عن لغة الهزيمة الناجزة لـ«داعش»، إلى الحديث عن «شبه هزيمة نهائية»، وهكذا في تعابير ومواقف أقل حدة من المواقف المعلنة قبل أيام عن سوريا.
بل إنه وعقب قنبلته السورية، زار في موسم أعياد الميلاد قواته في قاعدة عين الأسد في الغرب العراقي، ووعد بالبقاء والاستعداد هناك في العراق، فما الفرق بين العراق وسوريا الجارتين؟
في نفس الوقت أفصحت تركيا عن انزعاجها من تصريحات أميركية أخيرة، نقلاً عن الرئيس دونالد ترامب، بأن خطة الانسحاب الأميركي من سوريا لا تتضمن تخلي واشنطن عن «حلفائها الأكراد». فالسلطات التركية تَعتبر وحدات الحماية الكردية شرق الفرات، هي «داعش الأكراد» بالنص كما قال المتحدث التركي الرسمي إبراهيم كالين!
هل أيقظ الجنرالات الأميركان الرئيس ترامب على مخاطر التخلي الأميركي الكامل عن منطقة الشرق الأوسط، فتراجع الرجل، ولو جزئياً؟
نتحدث لا عن سوريا فقط، بل عن الوعد الترمبي بالانسحاب من أفغانستان، وهي القنبلة السياسية الأخرى التي لم تنفجر بعد، حيث ما زالت في خزانة الوعود الترمبية؟
الجنرال الأميركي المتقاعد ستانلي ماكريستال، القائد السابق للقوات الأميركية والدولية في أفغانستان، كان قد حذّر من أن الانسحاب الأميركي سيؤدي على الأرجح إلى «زعزعة الاستقرار بشكل أكبر» في المنطقة.
الأكيد أن ترامب أكان يحاول التراجع عن قراره الانسحابي حقاً، أو يحاول المناورة الوقتية مع الضغوط المسلطة عليه من قبل نخبة العسكر وبعض الساسة والإعلام الليبرالي، الذي فجأة صار من أنصار التدخل الأميركي العسكري العالمي، ولم يكن بذات الحماسة أيام عقيدة الانسحاب الأوبامية المعلومة! في حالة سياسية كيدية فاضحة.
سواء أكان أمر ترمب صادقاً أو مناوراً، يظل أنه حتى لو خرجت أميركا من باب الشرق الأوسط، فسترجع إليه من شبابيكه، فنداء «هيت لك» الاقتصادي والأمني والسياسي في هذه البقعة من العالم، لا يقاوَم!