أعادت استقالة شيماء الحيالي وزيرة التربية في حكومة رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي، فتح ملف الوزراء السنة في الحكومة العراقية، المطلوب منهم تقديم الولاء المطلق والانصياع للتوجهات السياسية المفروضة من قبل الكتل الشيعية وإلا تتم إقالتهم وفق تهم جاهزة.
وعادة ما توافق الكتل السياسية الشيعية على وزراء سنة تابعين وضعفاء لتمرير الخطط السياسية، ورفض الشخصيات الوطنية المستقلة.
ويسهل على الكتل السياسية وأعضاء البرلمان العراقي، إقالة أي وزير سني يظهر استقلاليته، تحت ذريعة الانتماء إلى داعش أو بتهمة الإرهاب والانتماء إلى حزب البعث المحظور.
ولم تكن الوزيرة المستقيلة متهمة شخصيا بالانضمام إلى داعش أو دعمه، لكن كان يكفي الحديث عن أخيها لكي تستقيل.
واضطرت الحيالي إلى تقديم استقالتها، بعدما كشفت تسجيلات فيديو وبيانات رسمية، ارتباط عدد من أفراد عائلتها بتنظيم داعش في مدينة الموصل، مركز محافظة نينوى، فيما وجه ساسة ومدوّنون انتقادات حادة للجهة السياسية التي رشحتها.
ولم تقدم الحيالي نفسها على أساس كونها مستقلة ولم تُعرف بكفاءاتها إضافة إلى كونها لم تحصل عل منصبها إلا من خلال تبنيها من قبل رئيس قائمة المشروع العربي خميس الخنجر.
وينتمي الخنجر إلى تحالف البناء، بزعامة هادي العامري، المعروف بصلاته الوثيقة مع طهران وتمثيله للحشد الشعبي وأحزاب اليمين الشيعي المتشدد.
وتعيد استقالة الحيالي العراق إلى حالة الجمود في صورته السابقة بين السنة والشيعة في أعقاب غزو العراق الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003.
وتعتبر الأحزاب الشيعية الحاكمة أن “الوزير السني” المرضي عنه في إطار نظام المحاصصة، هو ذلك الشخص التابع لها والذي ينجز مصالحه من خلالها، كما هو حال رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي الذي استطاع الحصول على منصبه من خلال ترشيح رئيس كتلة الفتح التي يتزعمها هادي العامري، الأكثر ولاء لإيران من بين السياسيين الشيعة.
ولا تزال حكومة عادل عبدالمهدي تتعثر بين مطبات نظام المحاصصة الحزبية من غير أن تلتزم بشرط الكفاءة الذي حل محله مفهوم الاستقلال الصوري. ولم يتم الاتفاق حتى اليوم على حقيبتي الداخلية والدفاع والعدل إثر الخلافات بين الكتل السنية والشيعية على المرشحين.
وعزا ريناد منصور الزميل الباحث في تشاتام هاوس بلندن، ذلك التعثر إلى أن الأمر ليس بيد رئيس الحكومة أو بيد أعضاء البرلمان. فليس للفرعين التنفيذي ولا التشريعي للحكومة قول في تشكيل مجلس الوزراء.
وأضاف منصور “لم يظهر بعد الزعيم القادر على جمع الطرفين وحلّ مسألة من يشغل منصب وزير”.
وتعد وزارة التربية في العراق من بين أكثر الوزارات التي طالها التغيير منذ عام 2003، خصوصا ما تعلق بصفقات فساد كبرى وتغيير المناهج الدراسية وطبيعة التدريس لفرض أفكار تاريخية ودينية تتبنى المرويات التاريخية الشيعية. وهو ما يستدعي الاستمرار في طي تلك الملفات وعدم السماح لأي طرف لا يقع تحت السيطرة الشيعية التامة بالاطلاع عليها.
وعبر مراقب سياسي عراقي عن عدم استغرابه من أن تُحاط وزيرة التربية المستقيلة بسيل من الشائعات التي تتعلق بتاريخ عائلتها القريب يوم تمّ تسليم مدينة الموصل بسكانها لتنظيم داعش الإرهابي ليحتلها لثلاث سنوات، كان فيها أولئك السكان رهائن وسبايا بيد التنظيم الذي تكفل بتدمير المدينة وهدر كرامة سكانها.
وقال المراقب في تصريح لـ”العرب”، “لا تكمن المشكلة الرئيسة في الأشخاص الذين يتم اختيارهم للمناصب بل في الخلفية التي يتم على أساسها ذلك الاختيار. وهنا تبرز ظاهرة المحسوبية والمنسوبية على حساب الكفاءة والخبرة”.
وسبق وأن طالب رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر السياسيين السنة بترك المحاصصة وتقسيماتها الطائفية، وتقديم المصالح العامة على المصالح الحزبية، والنظر إلى قواعدهم التي هزها العنف والتشدد، والابتعاد عن كل الفاسدين.
ويخضع المرشحون للحقائب الوزارية إلى مستويات معقدة من التدقيق للتثبت من سلامة موقفهم الأمني والقانوني. ويشرف على أهم مرحلة للتدقيق، جهاز الأمن الوطني، الذي يتولاه فالح الفياض، مرشح تحالف البناء لحقيبة الداخلية.
وألمح محافظ نينوى السابق، أثيل النجيفي، إلى تواطؤ بين الخنجر والفياض، في تمرير الوزيرة المذكورة.
وقال النجيفي إن “المواطن الموصلي يحتاج إلى ستة أشهر لاستحصال موافقة الأمن الوطني، لإصدار هوية أحوال مدنية أو شهادة وفاة لعائلته التي قتلها داعش. والمرشح لوزارة من كتلة مسؤول الأمن الوطني يحتاج دقيقتين للتزكية”.
وأضاف “ويستغربون لماذا لا يعترف أهل الموصل بعدالة الإجراءات الأمنية”.
وقال نشطاء من الموصل لـ”العرب”، إن إصرار أطراف سياسية سنية على ترشيح شخصيات إشكالية أو على صلة بالإرهاب، يستهدف توريط المدينة في عملية اتهام دائمة.
واستغرب النشطاء من استخدام هذه الذريعة لوسم جميع سكان الموصل بالانتماء إلى داعش، فيما أكدوا أن هذا الخرق تتحمله المؤسسة الأمنية، التي سمحت بتمرير هذه الوزيرة، والمؤسسة البرلمانية التي صوتت عليها، ورئيس الوزراء الذي قبل بترشيحها، والجهة التي رشحتها.
وأثارت عملية منح الثقة للحيالي جدلا في البرلمان في 24 ديسمبر، إذ دعا نواب إلى إعادة التصويت لعدم اكتمال النصاب، متهمين رئيس البرلمان محمد الحلبوسي بغض النظر.
وأكد النائب محمود ملا طلال أن “على السيد رئيس البرلمان أن يعتذر للشعب وللنواب على هذا الفعل غير القانوني”.
ولم يتبين حتى الآن موقف عبدالمهدي من استقالة الوزيرة، لكن مصادر تشير إلى أنه سيعلن قبولها بشكل مؤقت، ريثما يتم التحقيق في صحة الاتهامات.