ما هو غير مفهوم، كل هذا التضارب في التقديرات إزاء مصير تشكيل الحكومة. تارة يخرج المسؤولون ليتحدثوا عن إيجابيات تحققت، وقد تصل إلى نتيجة. وتارة أخرى يتحدثون عن أن كل شيء معلّق، ولا أحد يتواصل مع الآخر. ما يعني أن لا أفق لولادة الحكومة. ما بين المنزلتين، ثمة من يعتبر أن الحكومة ستكون قابلة للولادة، في لحظة غير متوقعة، وربما سريعة. تماماً كما أنها قابلة لأن تبقى معلّقة إلى أجل غير مسمّى. في الأيام القليلة الماضية، عاد الكلام عن تحرّك سياسي قد يفضي إلى نتائج إيجابية، تعويلاً على بعض الاتصالات.
اللواء والحزب والرئيس
لم ترق هذه الاتصالات إلى مصاف المبادرة الجديدة، إنما الأساس بقي في العمل على تعويم المبادرة الأخيرة. وهي تنازل رئيس الجمهورية ميشال عون عن وزير من حصته لصالح تمثيل نواب اللقاء التشاوري. على أن يكون هذا الوزير ممثلاً للقاء التشاوري ولا ينضم إلى كتلة رئيس الجمهورية، باعتباره ملتزماً بتوجهات اللقاء، الذين أسهموا في توزيره. هنا، تعود العقدة إلى موقف رئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل. هل يوافق على ذلك أم لا؟ حتى الآن، لا يبدو باسيل بوارد الموافقة على التنازل عن أحد عشر وزيراً. وعلى الرغم من اللقاء الذي عقد بينه وبين اللواء عباس ابراهيم، فإنه لم يحد قيد أنملة عن موقفه، بحيث عاد وطرح صيغة الـ 32 وزيراً، بما يوفّر له حصة الاستحكام بمسارات الحكومة.
حالة التوتر التي اعترت العلاقة بين باسيل وحزب الله، قد تبددت بعض الشيء، وكما كان متوقعاً، لا يمكن الرهان على تمدد الخلاف أو توسعه، خصوصاً أن ما يجمع الطرفين، وتحديداً في هذه المرحلة الإقليمية، أبعد بكثير مما يفرّقهما من تفاصيل وزارية. على الرغم من وجود "نقزة" لدى الحزب مما يرمي إليه باسيل للمستقبل. الاتصال الذي أجري بين الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله والرئيس ميشال عون، كان كفيلاً بتهدئة الأجواء، وتبريد الجبهات الإعلامية، مع تأكيد من قبل الحزب، بأنه لحظة يوافق باسيل على التنازل عن الثلث المعطّل، وتمثيل نواب اللقاء التشاوري كما يستحقون، وعدم خطف ممثلهم، ستولد الحكومة فوراً.
يقرأ البعض تحرّك باسيل الساعي للحصول على 11 وزيراً، بأنه بعيد المدى، ولا يرمي فقط إلى التحكم بمسار العلاقة داخل مجلس الوزراء، وفرض جدول الأعمال والموافقة على القرارات التي ستتخذها الحكومة. فهذه كلّها سيكون باسيل قادراً على ضمانها بدون الثلث المعطّل، استناداً إلى توقيع رئيس الجمهورية، وإلى التفاهم المبني مع رئيس الحكومة المكلف. وما يؤكد سعي باسيل وعون للحصول على الثلث المعطّل، هو كلام الأخير الذي اعتبر أن السعي للحصول على 11 وزيراً، للاندفاع حكومياً، ولتحقيق ما يريده التيار، "لأن تجربة العشرة وزراء في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي أظهرت عدم القدرة على الإصلاح"!
أهداف الثلث المعطّل
هدف باسيل من الحصول على الثلث المعطّل، يرتبط بجعل نفسه، رئيس حكومة ظلّ أو رئيس جمهورية ظلّ. خصوصاً أن ولاية الحكومة ستطول، وستشرف على الإنتخابات النيابية المقبلة، وهو يأخذ في الحسبان حصول أي تطورات قد تخسّره ما يكتنزه حالياً، وبالتالي فإن الأحد عشر وزيراً سيعوضونه عن أي حالة قد يخسرها. وربما غاية باسيل هذه، والتي يضعها البعض في خانة سلطوية ولعبة داخلية حصراً، قد تتخطى المعادلة الداخلية. وهذا ما جرى التداول به في الأيام الأخيرة، حول روابط باسيل الخارجية، وبعض الاتفاقات التي عقدها ولا تناسب حزب الله.
لحظة الوصول إلى اتفاق، ممكنة في غفلة من الزمن، وبشكل مفاجئ. ترتبط باللحظة التي يوافق فيها باسيل على التنازل عن الأحد عشر وزيراً. لكن في الوقت عينه، هؤلاء يبدون استغرابهم من حرص الرئيس المكلف الدائم على إرضاء باسيل كيفما أراد، وتسليفه الثلث المعطّل، ما قد يؤشر إلى اتفاق غير مشهود بينهما حتى الآن، وهذا ما قد يقلق حزب الله أيضاً، وهذا تبدّى في الكثير من الرسائل التي تلقاها الحريري، حول خلفية صمته عن مطالب باسيل، وصولاً إلى تخلّيه عن صلاحيته لصالحه.
وفي مقابل الكلام عن إمكانية ولادة الحكومة سريعاً، هناك من لا يوافق على ذلك، معتبراً أن الحكومة ستبقى مؤجلة، لأن الهم الأساسي لبعض الأطراف هو تمرير الوقت فقط، ريثما تتضح الصورة في المنطقة، أو قد يكون هناك ما هو منتظر على صعيد الإقليم. يستند هؤلاء إلى موقف حزب الله المتساهل مع باسيل، ما يعني أنه غير مستعجل لولادة الحكومة، ولو أراد لاستطاع فرضها. على عكس وجهة نظر أخرى، تفيد بأن الحزب يستعجل ولادة الحكومة لتكريس انتصاره، في لحظة الاندفاع المعنوي التي يحققها المحور المنتمي إليه في ضوء الإنفتاح العربي على دمشق.
سوريا والحريري
بمعزل عن كل هذه التفاصيل، فإن التوازنات التي ستحكم المرحلة المقبلة لبنانياً، ستكون مرتبطة بما يعتبر حزب الله أنه حققه، وهو لن يتنازل عنه بسهولة، لا بل سيسعى إلى تكريسه، لا سيما في ضوء الرسائل السورية الوافدة إلى لبنان، ويعكسها بعض السياسيين بالتشديد على وجوب دعوة سوريا إلى القمّة الإقتصادية. المشهد سيرسم صورة مشابهة للحظة دخول الحريري في تسوية انتخاب عون. يومها اعتبرت المظّلة السعودية التي توفرت للحريري أن الخطوة ستنتج توازناً مع إيران، ليتبين فيما بعد أن الغلبة رجحت لحزب الله. والدليل هو الدفع السعودي للحريري للإستقالة. اليوم يسوّغ البعض عودة العرب إلى دمشق لمواجهة النفوذ الإيراني، أو لعدم ترك الساحة لهم، لكن الحقيقة ستكون مغايرة، وستراكم إيران مكاسبها تحت المظلّة السعودية كما حصل في لبنان. وعليه، فبحكومة أو من دونها، لا معطى استراتيجي سيتغير. وهمّ الحريري الوحيد هو رئاسة الحكومة بمعزل عن الحكومة والصلاحيات. وهنا يبقى خوف من هم على يمين الحريري من أن يقدم هو على التنازل مجدداً، في سبيل حكومة، ستعيد وصل ما انقطع بين الحزب والتيار، وتؤسس لعودة النظام السوري إلى لبنان.