كان الحدث الأكبر في الأحداث اللبنانية المتتابعة ظهور الحراك الشعبي على خلفية ثروات النفايات الموزعة على مكاسب خاصة والتي أزكت الشوارع اللبنانية ودخلت أنوف البيوت التي خرجت معترضة و لأوّل مرة لصالح مصالحها ولصالح أمنها الصحي وكانت الحشود المتنوعة تعكس صورة لبنان في الزمن الجميل أيام النهضة الوطنية و الصحوة القومية وحضور اللبنانيين في قضايا مطلبية وسياسية أسهمت في ولادة مشاريع وطنية لم يكتب لها الاستمرار لأسباب معروفة ولا حاجة لذكرها .
ظن الكثيرون أن الحراك اللبناني على شاكلة الربييع العربي رغم أن لبنان قد سبق في ربيعه الربيع العربي أبّان ثورة الأرز ولكنه تحوّل الى خريف قاتم وملبّد بغيوم سوداء نتيجة أسباب معروفة أيضاً ولا داعي لذكرها . لذا تحمس المتضررون من نفايات الطبقة السياسية ونزلوا نزلة متعددة الأبواب ودخلوا بيروت منددين بأفعال المسؤولين عن كوارث هائلة في كل الأنشطة و الميادين ونتيجة لولدنة البعض من المتحمسين الجُدُد ممن أغرتهم شبابية طائشة وحالات الشرذمة تبعاً لكل فرقة متفرقة عن فرقة أخرى ونتيجة اتخاذ مواقف غير محسوبة جيداً الأمر الذي هيّج جماهير الطوائف وكانت جماهير أمل آنذاك تنظر للتظاهرات على انها موجهة ضدّ الرئيس نبيه بري دون غيره نتيجة تسليط الألسن عليه مباشرة من قبل فرق متظاهرة ومتلبسة بيسارية فوضوية وهذا ما دفع بأمّة أنكر ونكير الى مواجهة متظاهرين من نواعم البشر لا طاقة لهم على خشونة أناس يسبقون الحروب بجرها اليهم .
اقرا ايضا : عودة العرب الى سورية مهزومين أم فاتحين؟
كانت بيروت على ما هي عليه من معالم بارزة في وجه التاريخ وأمست بعد جحافل الوديان والتلال والضواحي بدون معالم تُذكر وهذا ما أنهى حراكاً ثميناً كان يمكن التأسيس عليه لنهضة لبنانية متعافية من أمراض الطائفية لولا أخطاء حفنة من شباب الهلوسة السياسية و إدارة بعض الشيوعيين الشيبة ممن ظنوا أن المرحلة التاريخية قد أتت وأنها القيادة الفعلية للحظة الراهنة وهذا ما أضاع جهود جبّارة تمكّنت من إخراج اللبنانيين من أقفاص خوفهم رغم تجارب مرّة كانت خيبتها الأكبر ثورة الأرز التي باعوها بأبخس الأثمان .
لم يكن تحدي الأمن سهلاً خاصة وأن السلطة في لبنان تتمتع بشرعية عالية من خلال الطوائف التي تقف أمامها وخلفها وعن يمينها وعن شمالها وعندما كان الرئيس سعد الحريري يحاورها في شارع التظاهر وسط بيروت تمّ رشقه بالبيض وهذا ما دلّ على سطحية متظاهرين كل همهم التظاهر من أجل التظاهر و البروز حتى لا نحملهم أكثر من ذلك .
جاءت أزمة الحريري الأولى في السعودية إعادة خلط لأوراق داخلية قرّبت من تيّاريّ المستقبل و الحرّ وأسّست لعلاقة متينة بين الرئاستين الأولى والثالثة على حساب تفاهم حزب الله والتيّار الوطني وهذا ما كشفت عنه أزمة الحكومة الحالية وهذا ما اهتجس منه الرئيس نبيه بري الذي وجد في تقارب الرئستين مشروعاً يطال ويستهدف دوره ودور ما يمثل وهذا ما لم يلتفت له حزب الله الاّ مؤخراً بعد خراب البصرة وهذا نتيجة طبيعية لمراهقة الحزب سياسياً اذ انه وكلما حاول تخطي وتجاوز رأي الرئيس بري يقع في جور السياسة اللبنانية .
كان إعادة تكليف الرئيس سعد الحريري بأغلبية نيابية لحكومة جامعة تأكيداً على صورة المشهد السياسي في لبنان والذي تعزّزت فيه تيارات كانت مهمّشة وملتحقة بركب الأقوياء كيّ يكون لها أدواراً طليعية في السلطة .
غادر عام 2018دون حكومة أي دون توافق وطني مما يعني أن الانقسامات الداخلية هي ديدن ال2019 وعليه سيبقى لبنان أسير قيود قديمة وجديدة خاصة و أن هناك من يعتبر أن قوته هي المرجع الصالح لقيادة البلاد و العباد ولم يعد الطائف المرجع الصالح وأن على الضعفاء الالتزام بطائف القوي الذي أتاحته غلبة الحزب داخلياً وغلبة المحور الذي ينتمي اليه خارجياً بعد تراجع ونكوص المشروع العربي لصالح تقدم المشروع الفارسي في المنطقة .