منذ ما بعد التدخل الروسي العسكري المباشر في سوريا، وبسط نفوذها هناك بقوة الحديد والقمع والنار، صار الحديث عن "سوريا الأسد" هو اقرب الى النكتة السمجة، فالقاصي والداني يعرف أن القابض على القرار السياسي هناك هو الروسي حصرًا مع القليل من المحاولات الايرانية الخجولة والفاشلة.
ولا أظن أن هذه الحقيقة تحتاج إلى نقاش أو أدلة إثبات، وأن قيادة سوريا هي في قاعدة حميميم، وما قصر المهاجرين الا فرع من فروع القاعدة يتلقى الأوامر وينفذها من دون أي تردد أو اعتراض، وكلنا يتذكر في هذا السياق زيارة وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغر التي "تفاجأ" بها بشار والفيديو المصور الذي بثته يومها قناة روسيا اليوم، ونتذكر أيضًا كيف تم التعامل مع بشار الأسد يوم حط بوتين في القاعدة المذكورة.
إقرأ أيضًا: سحب القواعد الأميركية من سوريا: بداية حرب أم بداية تسوية؟؟
وبعد هذه المقدمة السريعة يصبح من نافل القول أن أي حدث سياسي أو تطور على الساحة السورية ميدانيًا أو اقليميًا يكون المعني الأول فيه هي روسيا، وليس أي أحد اخر، فلا التسوية بالشمال السوري مع الأتراك هي صنيعة النظام ولا التمركز بالجنوب وحراسة الحدود الإسرائيلية هو أمر يحدده ذاك القابع في دمشق.
وعليه فإن عودة فتح السفارات العربية، هو حتما لم يأتي نتيجة مباحثات ديبلوماسية عميقة بين دمشق ودول الخليج، ولا هو تبدل نتيجة اجتماعات مشتركة سبقت الخطوة وبددت حالة العداء والخصومة التي استمرت سنوات من القطيعة، وبالطبع هي ليست بلحاظ مصالح الدول الخليجية مع سوريا، التي تحتاج هي لأموال الخليج في مرحلة إعادة الاعمار الذي إنما يعكس حاجة النظام السوري لهم وليس العكس.
إقرأ أيضًا: كيف سيرد حزب الله على تحدي جبران
لا يمكن مقاربة خطوة إعادة فتح السفارات الخليجية في دمشق الا من بوابة الرؤية الروسية، والإتفاق الروسي الأميركي لمستقبل سوريا المنسجم تمامًا مع العقوبات الأميركية على ايران وأذرعها، وتقليص نفوذها بالمنطقة، وما يحضّر من خطوات تصعيدية مرتقبة تخدم هذا التوجه ضمن خارطة طريق تبدأ باليمن ولا تنتهي بكفركلا.
أما عن موقف نظام الاسد ودبلوماسيته من إعادة فتح السفارات، فالإجابة عنه ممكنة بعد التأكد من معرفته المسبقة بعودة هذه السقارات فتح أبوابها، فظني الذي يكاد يتاخم اليقين هو القول بأن بشار الأسد تفاجأ بالأمر ولم يكن يعلم به، فالطائرة الروسية التي اقلت عمر البشير بدون اي تحضير مسبق، هي نفسها التي أقلت اليوم موظفي السفارات الخليجية، وما الحديث عن بشار ومعه الايراني هنا الا كالحديث عن "الأطرش بالزفة".