يواجه النظام الدولي خلال 2019 تحديات لا سابق لها منذ انتهاء الحرب الباردة في مطلع التسعينات من القرن الماضي. كان انتخاب دونالد ترمب رئيساً للولايات المتحدة إيذاناً بوصول نوع جديد من الزعماء عبر العالم. بلدانهم أولاً، تماماً مثل شعار ترمب «أميركا أولاً». هذا ما يعكس في نظر المراقبين تراجع مفاهيم السياسات المتعددة الأقطاب ومبادئ الدبلوماسية المتعددة الأطراف التي قادتها أميركا منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية.
يقول دبلوماسي أوروبي لـ«الشرق الأوسط» إن «التحديات الرئيسية التي ستواجهها الأمم المتحدة سنة 2019 لا تزال التشكيك بتعددية الأطراف – وبالأمم المتحدة ذاتها – من قبل جهات عدة»، فضلاً عن «الهجمات ضد أنظمة حقوق الإنسان»، مضيفاً أن «العالم المتعدد الأقطاب الذي يروج له يحمل التهديدات، لأنه عالم من المعارضة وليس الحوار». واعتبر أن «الخطط الفضلى لمحاولة تجاوز هذه التهديدات أو التخفيف منها تتمثل في ضرورة إعادة وضع الأمم المتحدة، باعتبارها مساحة للنقاش، في صلب الترويج للشراكات» الدولية.
يعبر أستاذ زمالة رفيع المستوى في جامعة الأمم المتحدة لـ«الشرق الأوسط» عن اعتقاده أن «إدارة ترمب ستزيد هجماتها على الأمم المتحدة في 2019»، معتبراً أن مستشار الأمن القومي «جون بولتون يريد القيام بالمزيد لإضعاف المؤسسات المتعددة». ورأى أن «الولايات المتحدة ستدفع بقوة أكبر من أجل اقتطاعات أكبر في ميزانية الأمم المتحدة».
هيلي: التعددية ليست عملاً خيرياً
خلافاً لهاتين النظرتين، تأخذ الولايات مقاربة مختلفة حتى عندما يتعلق الأمر بالعمل المشترك في مجلس الأمن، المنتدى الدولي الأرفع عالمياً لاتخاذ القرار. ففي جلسة حول «التعددية ودور الأمم المتحدة» انعقدت أخيراً، أشارت المندوبة الأميركية نيكي هيلي إلى أن الولايات المتحدة «هي المساهم الأكبر في ميزانية الأمم المتحدة» البالغة سبعة مليارات دولار سنوياً لعمليات حفظ السلام وحدها. غير أنها نبهت إلى أن «لدينا توقعات مشروعة بأن نحصل على مقابل لاستثمارنا في التعددية. هذا العمل ليس خيرياً». وأقرت بأن مجلس الأمن «حقق وحدة ملحوظة» في الموقف من البرنامج النووي لدى كوريا الشمالية. بيد أنها اعتبرت أن «التعددية ليست جيدة بذاتها أو لحالها» لأنها «تخفق حين تفشل في دعم أهداف السلم والأمن وحقوق الإنسان».
تعكس نيكي هيلي الصورة عندما رفع الرئيس الأميركي دونالد ترامب حدة الخطاب الناري مع الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون إلى الذروة، فيما كانت المندوبة الأميركية تعمل جاهدة مع أعضاء مجلس الأمن، ولا سيما الصين وروسيا، لتضييق الخناق على نظام بيونغ يانغ. غير أن الأمور اتخذت لاحقاً منحى آخر بعد اللقاء الودي بين ترمب وكيم. لم تظهر إلى العلن بعد أي نتائج ملموسة في الهدف المرجو: تفكيك الترسانة النووية الكورية الشمالية. ولذلك، يعتقد أستاذ زمالة رفيع المستوى في جامعة الأمم المتحدة أن «الخطر الأكبر على الإطلاق لمجلس الأمن هو (احتمال وقوع) أزمة جديدة حيال كوريا الشمالية، إذا انهارت المحادثات الراهنة بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية»، لأنه في هذه الحال «تريد واشنطن معاقبة بيونغ يانغ بالمزيد من العقوبات»، فيما «سترفض الصين وروسيا التعاون. وهذا ما يمكن أن يؤدي إلى خلاف دبلوماسي هائل في نيويورك».
من ترك الحبل على غاربه لإيران؟
وكذلك قد تكون سنة 2019 حاسمة في التوجهات الدولية حيال إيران. وما كان ذلك ليحصل لولا تسلّح الرئيس الأميركي بأن خطة العمل المشتركة الشاملة (الاتفاق النووي) الذي وقعته «مجموعة 5 + 1» للدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن: الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وروسيا والصين بالإضافة إلى ألمانيا، عام 2015 ترك الحبل على غاربه للتدخلات الإيرانية المزعزعة للاستقرار في الشرق الأوسط ولتهديد دول المنطقة بالصواريخ الباليستية. قرر ترمب انسحاب الولايات المتحدة أحاديا وبلا تردد. لم تغض الإدارة الأميركية الطرف قط عن إيران و«نشاطاتها الخبيثة» في الشرق الأوسط، ولا سيما في العراق وسوريا ولبنان واليمن وغيرها من دول المنطقة. أعادت فرض عقوبات قاسية على النظام الإيراني. بيد أن الدول الأوروبية، وخصوصاً فرنسا وألمانيا، لا تزال تأمل في أن تغيّر إيران سلوكها.
روسيا و«الفيتو» والأسد والإعمار
وعلى غرار الأزمة مع كوريا الشمالية وإيران، تختصر الحرب في سوريا مشهد التحديات الجمّة التي تواجه العمل الدولي المتعدد الأطراف، ولا سيما بعدما استخدمت روسيا حق النقض «الفيتو» 12 مرة لإجهاض الإجماع الدولي على التنديد بالجرائم التي ارتكبها نظام الرئيس بشار الأسد بحق السوريين. وهذا ما يدفع الأستاذ في جامعة الأمم المتحدة إلى الاعتقاد أنه «لا توجد أي حركة في الأمم المتحدة» في ملف سوريا «إلا إذا تمكنت روسيا من إقناع الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا بدعم إعادة الإعمار بوجود الأسد»، علما بأن الدول الغربية الثلاث «ستكون مترددة للغاية في ذلك». واستدرك أن «موجة جديدة من اللاجئين يتوجهون في اتجاه أوروبا يمكن أن تغيّر هذه الحسابات».
وكذلك لم يستطع المجتمع الدولي القيام بأي خطوات عملية لوقف قرار روسيا ورئيسها فلاديمير بوتين لشبه جزيرة القرم، رغم الإصرار على أنها جزء لا يتجزأ من أوكرانيا.
غوتيريش: المناخ هو التهديد الأكبر
هناك خلافات على عناوين وقضايا رئيسية أخرى تتعلق بمستقبل البشر، يولي الأمين العام للأمم المتحدة اهتمامه الأول لتغير المناخ، فيعتبره «التهديد الأكبر» للعالم اليوم، وفقاً للناطق باسمه ستيفان دوجاريك الذي قال لـ«الشرق الأوسط» إن الأمين العام «أوضح بصورة جلية أن تغير المناخ هو التحدي الذي يجب التعامل معه بصورة ملحة»، مضيفاً أنه «من الضروري أن نتحرك بوتيرة أسرع بكثير مما نفعل الآن من أجل مكافحة ارتفاع درجات الحرارة العالمية». وأكد أنه بحلول سبتمبر (أيلول) المقبل حين ينعقد الاجتماع الرفيع المستوى للجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها السنوية الرابعة والسبعين «يجب أن نكون قادرين على إظهار المزيد من التقدم في هذه الحرب لئلا نعرض مستقبلنا للخطر».
وكما هي الحال في المناخ، ابتعدت الولايات المتحدة و30 دولة أخرى مثل أستراليا وإسرائيل وبلغاريا عن الاتفاق العالمي الذي وقع أخيراً في مدينة مراكش المغربية بعدما وصل عدد اللاجئين عالمياً إلى رقم قياسي بلغ أكثر من 21 مليون شخص. وقالت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، المتهمة بالتسبب في تفاقم أزمة اللاجئين عندما فتحت حدود ألمانيا في عام 2015، إن التعددية هي السبيل الوحيد «لجعل هذا العالم مكانا أفضل».
اليمن: بارقة لتضميد أزمة الشرق الأوسط
هذا جانب فحسب مما يظهر من تحديات سنة 2019. أما الجانب الآخر فيتعلق وفقاً لغوتيريش «بإيمانه بالحلول المتعددة الأطراف لمشاكل العالم، ولا نزال نأمل في اتخاذ خطوات واسعة في الدبلوماسية، سواء كان في اليمن أو سوريا أو قبرص أو الصحراء الغربية».
ويقول الأستاذ في جامعة الأمم المتحدة إن «هناك بارقة أمل في اليمن» بعدما نجحت محادثات السلام التي عقدت في استوكهولم، متوقعاً أن تتولى الأمم المتحدة الإشراف على إعادة إعمار اليمن، علما بأن «هذا العمل صعب وخطر، لكنه يمثل خطوة لتضميد الأزمة الإقليمية في الشرق الأوسط».